وفي "التأويلات النجمية" : إذا أراد الله تعالى أن يتوب على عبد من عباده ليرجع من أسفل سافلين البعد إلى أعلى عليين.
القرب يخلصه من رق عبودية ما سواه بتصرف جذبات العناية، ثم يوفقه للرجوع بالتقرب إليه، كما قال :"من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً" ؛ أي : من تقرب إليّ شبراً بالتوبة تقربت إليه ذراعاً بالقبول، ولو لم يكن القبول سابقاً على التوبة لما تاب، كما قال بعضهم لبعض المشايخ : إن أتب إلى الله، هل يقبل : قال : إن يقبل الله تتوب.
وفي الخبر :"أن بعض مواضع الجنة تبقى خالية، فيخلق الله تعالى خلقاً جديداً فيملؤها بهم".
(اكر روا باشد ازروى كرم كه خلقى آفريند عبادت نابرده ورنج نا برده درجات جنت بايشان دهدا وبرسرو سزا واربركه بندكان ديرينه را ودرويشان دلخسته رازدر بيرون نكند وازثواب وعطاى خود محروم نكرداند).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
فكيف بالتائبين منهم والمستغفرين.
﴿وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّـاَاتِ﴾ صغيرها وكبيرها غير المشرك لمن يشاء بمحض رحمته وشفاعة شافع، وإن لم يتوبوا، وهو مذهب أهل السنة.
وفي "التأويلات النجمية" : ويعفو عن كثير من الذنوب التي لا يطلع العبد عليها ليتوب عنها، وأيضاً، ويعفو عن كثير من الذنوب قبل التوبة، ليصبر العبد به قابلاً للتوبة وإلا لما تاب.
﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ كائناً ما كان من خير وشر، فيجازي التائب ويتجاوز عن غير التائب حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح.
وفي "التأويلات النجمية" : ويعلم ما تفعلون من السيئات والحسنات ممالا تعلمون أنها من السيئات والحسنات، فبتلك الحسنات يعفو عن السيئات.
وعن "عرائس البقلي" : يقبل توبتهم حين خرجوا من النفس والكون وصاروا أهلاً له مقدسين بقدسه ويعفو عن سيئاتهم ما يخطر بقلوبهم من غير ذكره، ويعلم ما تفعلون من التضرع بين يديه في الخلوات.
وفي صحف إبراهيم عليه السلام : على العاقل أن يكون له ساعات : ساعة يناجي فيها ربه، ويفكر في صنع الله، وساعة يحاسب نفسه فيما قدم وأخّر، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال في المطعم والمشرب وغيرهما.
وروي : أن رجلاً قال للدينوري رحمه الله : ما أصنع؟ فكلما وقفت على باب المولى صرفني البلوى، فقال : كن كالصبي مع أمه، فكلما ضربته يجزع بين يديها، ويتضرع، فلا يزال كذلك حتى تضمه إليها.
وفي الخبر :"إن بعض المذنبين يرفع يده إلى جناب الحق، فلا ينظر إليه ؛ أي : بعين الرحمة، ثم يدعو ثانياً، فيعرض عنه، ثم يدعو ويتضرع ثالثاً، فيقول : يا ملائكتي قد استحييت من عبدي، وليس له رب غيري، فقد غفرت له
٣١٥
واستحيت ؛ أي : حصلت مرامه، فإني أستحيي من تضرع العباد" :
كرم بين ولطف خداوندكار
كنه بنده كردست واو شرمسار
ومعنى استحيائه تعالى : تركه تخييب العبد في رجائه.
﴿وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّـاَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِه وَالْكَـافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِه لَبَغَوْا فِى الارْضِ وَلَـاكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ : الفاعل ضمير اسم الله والموصول مفعول به على إضمار المضاف ؛ أي : ويستجيب الله دعاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ؛ أي : المؤمنين الصالحين إذا دعوه ويثيبهم على طاعاتهم، يعني : يعطيهم الثواب في الآخرة والإثابة معنى مجازي للإجابة ؛ لأن الطاعة لما شبهت بدعاء ما يترتب عليها من الثواب كانت الإنابة عليها بمنزلة إجابة الدعاء، فعبر بها عنها.
ومنه قوله عليه السلام :"أفضل الدعاء الحمد "، يعني : أطلق الدعاء علي الحمدلشبهه به في طلب ما يترتب عليه، ويجوز أن يكون التقدير، ويستجيب الله لهم، فحذف اللام، كما في قوله :﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ﴾ (المطففين : ٣) ؛ أي : كالوا لهم.
قال سعدي المفتي : الأظهر حمل الكلام على إضمار المضاف، فإنه كالمنقاس بخلاف حذف الجار.
﴿وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ﴾ على ما سألوا منه تفضلاً وكرماً، ويجوز أن يكون الموصول فاعل الاستجابة.
والاستجابة، فعلهم لا فعل الله تعالى واستجاب بمعنى أجاب، أو على أن يكون السين للطلب على أصلها، فعلى هذا الوجه يكون ويزيدهم من فضله معطوفاً على مقدر.
والمعنى : ويستجيبونبالطاعة ويزيدهم على ما استحقوه من الثواب تفضلاً، ويؤيد هذا الوجه ما روي عن إبراهيم بن أدهم قدس سره : أنه قيل : ما لنا ندعو فلا نجاب.
قال : لأنه دعاكم، فلم تجيبوه، ثم قرأ : والله يدعو إلى دار السلام، ويستجيب الذين آمنوا، فأشار بقراءته.
والله يدعو إلى دار السلام إلى أن الله تعالى دعا عباده وبقراءته، ويستجيب الذين آمنوا إلى أنه لم يجب إلى دعائه إلا البعض.


الصفحة التالية
Icon