قال في "بحر العلوم" : هذا الجواب مع سؤاله ليس بمرضي عند أهل التحقيق من علماء الأخبار، بل الحق الصريح أن الله يجيب دعاء كل عبد مؤمن بدليل قول النبي عليه السلام :"إن العبد لا يخطئه من الدعاء أحد ثلاث : إما ذنب يغفر، وإما خير يدخر، وإما خير يعمل.
رواه أنس رضي الله عنه، وقوله عليه السلام :"ما من مسلم ينصب وجههفي مسألة إلا أعطاه إياها، إما أن يعجلها له، وإما أن يدخرها له".
وقوله عليه السلام :"إن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى في الكظ عند الموت".
وقوله عليه السلام :"إن الله يدعو بعبده يوم القيامة، فيقول : إني قلت ادعوني أسجب لكم، فهل دعوتني، فيقول : نعم، فيقول : أرأيت يوم نزل أمر كذا وكذا، مما كرهت فدعوتني، فجعلت لك في الدنيا، فيقول : نعم، ويقول : دعوتني يوم نزل بك كذا.
فلم تر فرجاً فقد ادخرته لك في الجنة حتى يقول العبد ليته لم يستجب لي في الدنيا دعوة".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
رواه جابر عنه، وبدليل قوله عليه السلام :"من أعطي الدعاء لم يحرم من الإجابة".
وقال عليّ رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"إذا أحب الله عبداً صب عليه البلاء صباً وثجه عليه ثجاً، فإذا دعا العبد ربه قال جبريل : أي رب، اقض حاجته، فيقول تعالى : دعه فإني أحب أن أسمع صوته، فإذا دعا يقول تعالى : لبيك عبدي، وعزتي لا تسألني شيئاً إلا أعطيك، ولا تدعوني بشيء إلا أستجيب، فإما أن أعمل لك، وإما أن أدخر لك أفضل منه".
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وإن الله يجيب الدعوات كلها من عبده المؤمن، ولا يخيبه في شيء من دعواته.
٣١٦
وكيف يخيب ولا يجيب من إذا لم يسأله عبده يغضب عليه.
قال أبو هريرة رضي الله عنه : قال النبي عليه السلام :"إن الله يغضب على من لم يسأله، ولا يفعل ذلك أحد غيره".
انتهى.
ما في "بحر العلوم".
يقول الفقير : هذا كله مسلم مقبول، فإنه يدل على أن دعاء المؤمن المطيع لربه مستجاب على كل حال، ولكن لا يلزم منه أن يستجاب لكل مؤمن، فإن بعضاً من الذنوب يمنع الاستجابة، ويرد الدعوة كما إذا كان الملبوس والمشروب حراماً، والقلب لاهياً غافلاً، وعلى الداعي مظالم وحقوق للعباد، ونحو ذلك.
ويدل على ما ذكرنا ما قال عليه السلام لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين قال له : يا رسول الله، ادع الله أن يستجيب دعائي.
يا سعد اجتنب الحرام، فإن كل بطن دخل فيه لقمة من حرام لا تستجاب دعوته أربعين يوماً، وأيضاً، ما قال عليه السلام :"الرجل يطيل السفر ؛ أي : في طريق الحق أشعث أغبر يمد يده إلى السماء قائلاً : يا رب، يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك الرجل دعاؤه".
وأيضاً ما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"وأنت يا عم لو أطعته أطاعك إطاعتي حين قال له عمه أبو طالب : ما أطوعك ربك يا محمد، وغير ذلك، ثم إن الزيادة في الآية مفسرة بالشفاعة لمن وجبت له النار، وبالرؤية، فإن الجنان ونعيمها مخلوقة تقع في مقابلة مخلوق مثلها، وهو عمل العبد والرؤية مما يتعلق بالقديم، ولا تقع إلا في مقابلة القديم، وهو الفضل الرباني.
وفي "كشف الأسرار" :(بنده كه بديدار الله رسد بفضل الله ميرسد نه ازطاعت خود).
وفي الخبر الصحيح :"إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيكشف الحجاب، فينظرون إليه".
أبو بكر الشبلي قدس سره :(وقتى در غلبات وجد وخروش كفت اى بارخدا فردا همه انابينا انكيز تاجز من تراكس نبيند باز وقتى ديكر كفت بارخدا باشبلي رانا بينا انكيز كه دريغ بودكه جون منى ترابيند وآن سخن اول غيرت بود بر جمال ازديده اغيار وآن سخن ديكر غيرت بود بر جمال ازديده خودو در راه جوانمردان اين قدم ازان قدم تما مترست وعزيز تر) :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
از رشك تو بر كنم دل وديده خويش
تا اين تونه بيند ونه آن رابيش
(وجون حق تعالى ديدار خود را دوستانرا كرامت كند بتقاضاى جمال خود كندنه بتقاضاى بنده كه بشر محض راهر كز زهرة آن نبودكه با اين تقاضا بيدا آيد).
﴿وَالْكَـافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ : بدل ما للمؤمنين من الثواب والفضل المزيد.
قال الكاشفي :(مرايشا نراست عذابى سخت كه ذل حجاب ودوام عقابست وهيج عقاب بدترا مذلت حجاب نيست) :
زهيج رنج ثو مطلق دلم نتابد روى
جزآنكه بند كنى در حجاب حرمانش
وفي "التأويلات النجمية" : لما ذكر أنه تعالى يقبل توبة التائبين، ومن لم يتب يغفر زلتهم والمطيعون يدخلهم الجنة، فلعله يخطر ببال أحدهم، أن هذه النار لمن هي؟.
قال الله تعالى :﴿وَالْكَـافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾، فلعله خطر ببالهم أن العصاة من المؤمنين لا عذاب لهم.
فقال : والكافرون لهم عذاب شديد، فدليل الخطاب : أن المؤمنين لهم عذاب، ولكن ليس بشديد، ثم إن العبد لو لم يتب خوفاً من النار، ولا طمعاً في الجنة، لكان من حقه أن يتوب ليقبل الحق سبحانه توبته، ثم إن
٣١٧


الصفحة التالية
Icon