روي : أن أهل الصفة رضي الله عنهم تمنوا الغنى، فنزلت :(يعني أصحاب صفه كه بفقر فاقه ميكذرانيد ند روزى در خاطر ايشان كذشت كه جه باشدكه ماتوا نكر شويم ومال خود بفلان وفلان جيز صرف كنيم اين آيت آمد).
قال خباب بن الأرت رضي الله عنه فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع، فتمنيناها، فأنزل الله تعالى الآية.
قال سعدي المفتي : وفيه أن الآية حينئذٍ مدنية، فكان ينبغي أن يستثني.
وقيل : نزلت في العرب.
كانوا إذا أخصبوا تحاربوا وإذا أجدبوا ؛ أي : أصابهم الجدب والقحط انتجعوا ؛ أي : طلبوا الماء والكلأ وتضرعوا وفي ذلك يقول الشاعر :()
قوم إذا نبت الربيع بأرضهم
نبتت عداوتهم مع البقل
﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِه لَبَغَوْا فِى الارْضِ وَلَـاكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُا إِنَّه بِعِبَادِه خَبِيرُا بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنا بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَه وَهُوَ الْوَلِىُّ الْحَمِيدُ * وَمِنْ ءَايَـاتِهِ خَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍا وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ﴾.
﴿وَهُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ ؛ أي : المطر الذي يغيث الناس من الجدب، ولذلك خص بالنافع منه، فإن المطر قد يضر، وقد لا يكون في وقته.
قال الراغب : الغيث : يقال في المطر والغوث في النصرة.
﴿مِنا بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾ ؛ أي : يئسوا منه وتقييد تنزيله بذلك مع تحققه بدونه أيضاً، لتذكير كمال النعمة، فإن حصول النعمة بعد اليأس والبلية أوجب لكمال الفرح، فيكون أدعى إلى الشكر.
﴿وَيَنشُرُ﴾ :(وبراكنده كند).
﴿رَحْمَتِهِ﴾ ؛ أي : بركات الغيث ومنافعه في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وفي "فتح الرحمن" : وينشر رحمته، وهي الشمس، وذلك تعد يد نعمة غير الأولى، وذلك أن المطر إذا جاء بعد القنوط حسن موقعه، فإذا دام سئم وتجيء الشمس بعده عظيمة الوقع.
﴿وَهُوَ الْوَلِىُّ﴾ : المالك السيد الذي يتولى عباده بالإحسان ونشر الرحمة.
قال الكاشفي :(واوست دوست مؤمنان وسازنده كار ايشان بفرسنادن باران ونشر رحمت واحسان) :
٣١٩
تواز فشاندن تختم اميد دست مدار
كه در كرم نكندا ابر نوبهار امساك
﴿الْحَمِيدُ﴾ : المستحق للحمد على ذلك وغيره لا غيره.
وقال بعضهم : وهو الولي ؛ أي : مولى المطر ومتصرفه يرسله مرة بعد مرة الحميد ؛ أي : الأهل لأنه يحمد على صنعه إذ لا قبح فيه ؛ لأنه بالحكمة ودل الغيث على الاحتياج وعند الاحتياج تتقوى العزيمة، والله تعالى يجيب دعوة المضطر.
وقيل لعمر رضي الله عنه اشتد القحط وقنط الناس، فقال : مطروا إذن وأراد هذه الآية.
وفي المثنوي :
تافرود آيد بلاى دافعى
جون نباشداذ تضرع شافعى
تا سقاهم ربهم آيد خطاب
تشنه باش الله أعلم بالصواب
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن تحت العرش بحراً ينزل منه أرزاق الحيوانات يوحي الله إليه، فيمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى سماء الدنيا، ويوحي إلى السماء أن غربليه فتغربله، فليس من قطرة تقطر إلا ومعها ملك يضعها موضعها، ولا ينزل من السماء قطرة إلا بكيل معلوم، ووزن معلوم إلا ما كان من يوم الطوفان من ماء، فإنه نزل بغير كيل ووزن.
وروي : أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كل عام ؛ لأنه لا يختلف فيه البلاد، وفي الحديث :"ما من سنة بأمطر من أخرى، ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار".
وفي الحديث القدسي :"لو أن عبادي أطاعوني سقيتهم المطر بالليل، وأطلعت الشمس عليهم بالنهار، وما أسمعتهم صوت الرعد".
قال سفيان رحمه الله : ليس الخائف من عصر عينيه، وبكى إنما الخائف من ترك الأمر الذي يخاف منه.
وروي مرفوعاً :"ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء".
وفيه إشارة إلى دوام فيضه تعالى ظاهراً وباطناً، وإلا لانتقل الوجود إلى العدم.
وفي الآية إشارة إلى أن العبد إذا ذبل غصن وقته وتكدر صفو ورده وكسف شمس أنسه وبعد بالحضرة وساحات القرب عهده، فربما ينظر الحق بنظر رحمته، فينزل على سره أمطار الرحمة ويعود عوده طرياً، وينبت من مشاهد أنسه ورداً جنياً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وفي "عرائس البيان" : يكشف الله لهم أنوار جماله بعد أن آيسوا من وجدانهم في مقام القبض، وينشر عليهم لطائف بسط القرب ؛ لأن وليهم وحبيبهم محمود بلسان افتقارهم.


الصفحة التالية
Icon