قال ابن عطاء : إن الله تعالى يربي عباده بين طمع ويأس، فإذا طمعوا فيه أيأسهم بصفاتهم، وإذا آيسوا أطمعهم بصفاته، وإذا غلب على العبد القنوط، وعلم العبد ذلك وأشفق منه أتاه من الله الفرج، ألا تراه يقول : وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا معناه : ينزل غيث رحمته قلوب أوليائه، فينبت فيها التوبة والإنابة والمراقبة والرعاية :(ابر جود باران وجود ريزد سحاب افضال دراقبال فشاندكل وصال درباغ نوال شكفته كردد آخر كار باول كار باشود).
يقول الفقير : لا شك أن القبض والبسط يتعاقبان، وإن الإنسان لا يضحك دائماً، ولا يبكي دائماً، ومن أعاجيب ما وقع لي في هذا الباب هو أنه أغار العرب على الحجاج في طريق الشام في سنة الألفات الأربعة، وكنت إذ ذاك معهم فتجردت باختياري عن جميع ما معي غير القميص والسراويل، ومشيت على وجهي، فقيل لي : في باطني على يمينك، فأخذت
٣٢٠
اليمين حتى لم يبق لي طاقة على المشي من الجوع والعطش، فوقعت على الرمل فأيست من الحياة وليس معي أحد إلا الله، فقيل لي : في سمعي قول الشاعر :
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
يكون وراءه فرج قريب
ثم إن الله تعالى فرج عني بعد ساعات بما يطول بيانه، بل يجب خفاؤه، وهو الولي الحميد.
﴿وَمِنْ ءَايَاتِهِ﴾، أي : دلائل قدرته تعالى :﴿خَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ على ما هما من تعاجيب الصنائع فإنها بذاتها أو صفاتها تدل على شؤونه العظيمة.
قال في الحواشي السعدية" قوله : فإنها إشارة إلى ما تقرر في الكلام من المسالك الأربعة في الاستدلال على وجودالصانع تعالى حدوث الجواهر وإمكانها، وحدوث الأعراض القائمة بها، وإمكانها أيضاً.
وفيه إشارة إلى أن خلق السماوات من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي : السماوات المخلوقة.
انتهى.
﴿وَمَا بَثَّ فِيهِمَا﴾ عطف على السماوات أو الخلق.
ومعنى بث فريق يعني :(براكنده كرده).
وقال الراغب : أصل البث إثارة الشيء وتفريقه كبث الريح التراب وبث النفس ما انطوت عليه من الغم والسرور.
وقوله : وبث إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجوداً وإظهاره إياه.
﴿مِن دَآبَّةٍ﴾ حي على إطلاق اسن المسبب على السبب، أي : الدبيب مجازاً أريد به سببه، وهوالحياة فتكون الدابة بمعنى الحي، فتتناول الملائكة أيضاً، لأن الملائكة ذو واحركت طيارون فيالسماء، وإن كانوا لا يمشون على الأرض ويجوز أن يكون المعنى مما ندب على الأرض، فإن ما يختص بأحد الشيئين المجاورين يصبح نسبه إليهما.
يعني : ما يكون في أحد الشيئين يصدق أنه فيهما في الجملة، كما في قوله تعالى :﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾، إنما يخرج من الملح.
وقد جوز أن يكون للملائكة مشي مع الطيران، فيوصفون بالدبيب، وأن يخلق الله في السماء حيوانات يمشون فيها مشي الأناسي على الأرض كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾.
وقد روي عن النبي عليه السلام قال :"فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلامه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض، ثم فوقه العرش العظيم".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
يقول الفقير : إن للملائكة أحوالاً شتى وصوراً مختلفة لا يقتضي موطنهم الحصر في شيء من المشي والطيران، فطيرانهم إشارة إلى قوتهم في قطع المسافة، وإن كان ذلك لا ينافي أن يكون لهم أجنحة ظاهرة، فلهم أجنحة يطيرون بها، ولهم أرجل يمشون بها، والله أعلم.
﴿وَهُوَ﴾ تعالى ﴿عَلَى جَمْعِهِمْ﴾، أي : حشر الأجسام بعد البعث للمحاسبة.
﴿إِذَا يَشَآءُ﴾ في أي وقت يشاء ﴿قَدِيرٌ﴾ متمكن منه.
(يعني تواناست ومتمكن ازان وغير عاجز دران).
قوله : هو مبتدأ وقدير خبره وعلى جمعهم لا بقدير لفساد المعنى، فإن المقيد بالمشيئة جمعه تعالى لا قدرته، وإذا عند كونها بمعنى الوقت، كما تدخل على الماضي تدخل على المضارع.
قال تعالى :﴿وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾.
وفي الآية إشارة إلى سماوات الأرواح وأرض الأجساد.
وما بث فيهما من دابة النفوس والقلوب، فلا مناسبة بين كل واحد منهم، فإن بين الأرواح والأجساد بوناً بعيداً، لأن الجسد من أسفل سافلين، والروح من أعلى عليين، والنفس تميل إلى الشهوات الحيوانية الدنيوية، والقلب يميل إلى الشواهد الروحانية الأخروية الربانية، وهو على جمعهم على طلب الدنيا وزينتها، وعلى طلب الآخرة درجاتها، وعلى طلب الحضرة وقرباتها إذا يشاء قدير.
والحشر أنواع : عام، وهو خروج
٣٢١
الأجساد من القبور إلى المحشر يوم النشور.
وخاص، وهو خروج الأرواح الأخروية من قبور الأجسام الدنيوية بالسير والسلوك في حال حياتهم إلى عالم الروحانية، يحرق الحجب الظلمانية وأخص.
وهو خروج الأسرار من القبور الروحانية إلى عالم الهوية بقطع الحجب النورانية.
فعند ذلك يرجع الإنسان إلى أصله رجوعاً اختيارياً مرضياً ليس فيه شائبة غضب أصلاً، ونعم الرجوع والقدوم، وهو قدوم الحبيب والجلوة معه.
خلوت كزيده را بتماشا جه حاجتست