والمعنى : إن يشأ يسكن الريح فيركدن أو يرسلها، فتغرق بعضها ؛ أي : السفن بعدله وإيقاع الإيباق عليهن مع أنه حال أهلهن للمبالغة والتهويل.
يعني : أن المراد إهلاك أهلها بسبب ما كسبوا من الذنوب موجبات الهلاك على إضمار المضاف، أو التجوز بعلاقة الحلول.
قال سعدي المفتي : والظاهر أنه لا منع من إبقاء الكلام على حقيقته، فالآية مثل قوله تعالى :﴿وَمَآ أَصَـابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ﴾ (الشورى : ٣٠).
٣٢٤
إلخ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
أي : يوبق سفائنهم بشؤم ما كسبوا.
﴿وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ﴾، فلا يوبق أموالهم.
انتهى.
وإجراء حكمه على العفو في قوله تعالى : ويعف عن كثير لما أن المعنى، أو يرسلها فيوبق ناساً، وينجي آخرين بطريق العفو عنهم.
﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَـادِلُونَ فِى ءَايَـاتِنَا﴾ عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم، وليعلم الذين يكذبون ويسعون في دفعه وإبطاله وقرىء بالرفع على الاستئناف عطفاً على الشرطية وبالجزم عطفاً على يعف، فيكون المعنى : وإن يشأ يجمع بين إهلاك قوم وإنجاء قوم، وتحذير قوم.
﴿مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ﴾ ؛ أي : من مهرب من العذاب، والجملة معلق عنها الفعل فكما لا مخلص لهم إذا وقفت السفن، أو عصفت الرياح، كذا لا مهرب لهم من عذابه بعد البعث، فلا بد من الاعتراف بأن الضار والنافع ليس إلا الله، وإن كل أمر عرض، فإنما هو بتأثيره.
وفي الآيات إشارات منها : أن الله تعالى حثهم على الفكرة المنبهة لهم في السفن التي تجري في البحار، فيرسل الله الرياح تارة ويسكنها أخرى، وما يريهم من السلامة والهلاك.
والإشارة في هذا إلى إمساك الناس في خلال فتن الوقت عن الأنواع المختلفة، ثم حفظ العبد في إيواء السلامة، وذلك يوجب خلوص الشكر الموجب له جزيل المزيد.
ومنها : كما أن السفن تجري في البحر بالريح الطيبة، فتصل إلى الساحل كذلك بعض الهمم تجري في الدنيا بريح العناية، فتصل إلى الحضرة، وكما أن لبعض السفن وقفة لانقطاع الريح، فكذا لبعض الهمم بانقطاع الفيض، وكما أن بعضها تهلك، فكذا بعض النفوس في بحر الدنيا نعوذ بالله تعالى.
ومنها : أن الريح لا تتحرك بنفسها، بل لها محرك إلى أن ينتهي إلى المحرك الأول الذي لا محرك له، وهو الله تعالى، فلا يجوز الاعتماد على الريح في استواء السفينة وسيرها، وإلا فقد جاء الشرك في توحيد الأفعال، والجهل بحقائق الأمور.
ومنها : أن الصابر من صبره الله والشكور من شكره الله، فإن الصبر الحقيقي والشكر الحقيقي لا يكون إلا لمن كان صبره بالله وشكره بالله، فإنه تعالى هو الصبور الشكور.
ومنها : أن علم الله قديم ليس بحادث وأما علم الخلق، فحادث متأخر، ولذلك قال : ويعلم إلخ.
فالعاقل يرى عاقبة الأمر فيحذر كما قيل (ع) :(درانتهاى كر خوداز ابتدا ببين).
﴿فَمَآ أُوتِيتُم﴾ :(بس آنجه داده شده آيد).
﴿مِن شَىْءٍ﴾ مما ترغبون أيها الناس وتتنافسون فيه من مال ومعاش وأولاد.
﴿فَمَتَـاعُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ ؛ أي : فهو متاعها ومنفعتها وتتمتعون وتنتفعون به مدة حياتكم القليلة فيزول ويفنى، فما موصولة متضمنة لمعنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع به في الحياة الدنيا، ولذا دخلت الفاء في جوابها.
وقدر المبتدأ ؛ لأن الجواب لا يكون إلا جملة، يعني أن سببيته مقصود فيها الإعلام لتضمنها الترغيب في الشكر بخلاف الثانية، وهي قوله تعالى : وما عند الله.
إلخ.
فإن المقصود فيها بيان حال أن ما عند الله سبب للخيرية والدوام رقد، يقال : إن ما شرطية على أنها مفعول ثان لأوتيتم بمعنى أعطيتم، والأول، وهو ضمير المخاطبين قائم مقام الفاعل.
ومن شيء بيان لها لما فيها من الإبهام.
﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ﴾ من ثواب الآخرة أشير إليه آنفاً.
﴿خَيْرٌ﴾ : ذاتاً لخلوص نفعه وهو خبر ما.
﴿وَأَبْقَى﴾ : زمان حيث لا يزول ولا يفنى بخلاف ما في أيدي الناس.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وفيه إشارة إلى أن الرحات في الدنيا لا تصفو، ومن الشوائب لا تخلو، وإن اتفق لبعضهم : منها في الأحايين، فإنها سريعة الزوال، وشيكة الارتحال، وما عند الله من الثواب الموعود خير وأبقى من هذا القليل الموجود، بل ما عند الله من الألطاف الخفية والمقامات العلية،
٣٢٥
والمواهب السنية خير وأبقى مما في الدنيا والآخرة.
﴿لِلَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ : أخلصوا في الإيمان، وهو متعلق بأبقى.
وفي "الحواشي السعدية" الظاهر أن اللام للبيان ؛ أي : للبيان من له هذه النعمة، وقد بينه أبو الليث في "تفسيره" بقوله : ثم بين لمن يكون ذلك الثواب، فقال للذين آمنوا.
﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ لا على غيره تعالى ؛ أي : خصوا ربهم بالتوكل عليه فيما يعرض لهم من الأمور لا يسندون أمراً إلا إليه، ولا يعتمدون إلا عليه وعن علي رضي الله عنه أنه تصدق أبو بكر رضي اللهعنه بماله كله فلامه جميع المسلمين، فنزلت :
ستغرق كار خود جنانم كه دكر
برواى ملا متكربى كارم نيست