﴿وَالَّذِينَ﴾.
الخ.
في موضع الجر عطفاً على الذين آمنوا عطف الصفة على الصفة ؛ لأن الذات واحدة، والعطف إنما هو بين الصفات.
﴿يَجْتَنِبُونَ﴾ : الاجتناب :(بايك شودن وترك كردن).
﴿كَبَائرَ الاثْمِ﴾ : الإثم : الذنب كما في "القاموس".
وقال الراغب : الإثم والآثام اسم للأفعال المبطئة عن الثواب.
وقوله تعالى :﴿فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ (البقرة : ٢١٩) ؛ أي : في تناولهما إبطاء عن الخيرات وتسمية الكذب إثماً، كتسمية الإنسان حيواناً لكونه من جملتهم، والكبيرة ما أوجب الله عليه الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة.
وفي "المفردات" الكبيرة متعارفة في كل ذنب تعظم عقوبته.
والمعنى : يجتنبون الكبائر من هذا الجنس، فالإضافة بمعنى من ولكون المراد جنس الإثم، لم يقل كبائر الآثام.
قال في "كشف الأسرار" : أضاف الكبائر إلى الإثم، فإن إثم الصغيرة مغفور إذا اجتنب الكبيرة، كما قال الله تعالى :﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآاـاِرَ مَا تُنُهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـاَاتِكُمْ﴾ (النساء : ٣١).
قرأ حمزة والكسائي وخلف : كبير الإثم على التوحيد إرادة الجنس.
قال الراغب : قوله : والذين يجتنبون كبائر الإثم.
وقوله : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه.
قيل : أريد بهما الشرك لقوله :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان : ١٣).
قال ابن عباس : كبير الإثم هو الشرك.
قال الإمام الرازي : هو عندي ضعيف ؛ لأن ذكر الإيمان يغني عنه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
يقول الفقير : لا يغني ؛ فإنه بالإيمان يحصل الاجتناب عن مطلق الشرك الشامل للجلي والخفي، بل عن الجلي فقط.
وقد أطلق عليه السلام :"الشرك على الرياء حيث قال : اتقوا الشرك الأصغر".
فالقول ما قال ترجمان القرآن رضي الله عنه.
وقرأ الباقون
٣٢٧
كبائر الإثم على إرادة جميع المعاصي الموبقة، وهو الشرك بالله ؛ أي : الكفر مطلقاً، وإن لم يعبد الصنم، وقتل النفس بغير حق سواء قتل نفسه، أو غيره وقذف المحصنة ؛ أي : شتم الحرة المكلفة المسلمة العفيفة التي أحصنها الله عن القبائح والزنا، وهو وطء في قبل المرأة خال عن ملك وشبهة فوطىء البهيمة، واللواطة ليس بزنا، والسحر ويقتل الساحر ذكراً كان أو أنثى، إذا كان سعيه بالإفساد والإهلاك في الأرض، وأما إذا كان سعيه بالكفر، فيقتل الذكر وتضرب الأنثى وتحبس، وأكل مال اليتيم إلا بجهة الشرع، كما قال الله تعالى :﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾ (الأنعام : ١٥٢)، وأما ما أخذه قضاة الزمان حقاً للقسمة، فأصله مشروع إذا لم يعين له من بيت المال حق وكميته مشكلة وعقوق الوالدين المسلمين إذا كان مؤدياً إلى إضاعة الحقوق، وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأما إذا كانا كافرين قال الله تعالى في حقهما :﴿وَإِن جَـاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾ (العنكبوت : ٨)، والإلحاد في الحرم ؛ أي : الذنب فيه، ولو صغيرة، فالكبيرة فيه كبيرتان.
وقيل : الإلحاد فيه مع الناس عن عمارته، ومن عمارته الحج، فالأعراب الذين يقطعون طريق الحجاج في هذه الزمان إن استحلوا ذلك كفروا، وإلا أثموا إثماً كبيراً، وأكل الربا ؛ أي : الانتفاع بالربا سواء كان أكلاً أو غيره، وإنما ذكر أكله لكونه معظم منافعه، والسرقة ونصابها عند أبي حنيفة قدر عشرة دراهم عيناً، أو قيمة، وهذا نصاب السرقة في حق القطع، وأما في حق العيب، فأخذ ما دون عشرة يعد سرقة أيضاً شرعاً، ويعد عيباً حتى يرد العبد به على بائعه وشرب الخمر، وقطع الطريق خصوصاً إذا كان مع أخذ المال، فإنه فوق السرقة وشهادة الزور واليمين الغموس وسوء الظن بالله وحب الدنيا ولعن الرجل، الدية سواء كان بوسط أو بغيره، ومعنى بوسط أن يسب أبا رجل وأمه، فيست هو أباه وأمه وأذية الرسول عليه السلام ؛ فإنها فوق عقوق الوالدين وسب الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
قال القهستاني : سب أحد من الصحابة ليس بكفر كما في "خزانة المفتين" وغيرها، لكن في "مجموع النوازل" لو قال أحد : من يسب الشيخين، أو يلعنهما رضي الله عنهما، لم يقتص منه ؛ فإنه كافر ؛ لأن سبهما يصرف إلى سب النبي عليه السلام، وسب الختنين ليس بكفر كما في "الخلاصة"، وهو مشكل ؛ لأن سب أهل العلم على وجه الإهانة إذا كان كفراً، فكيف لا يكون سب الختنين كفراً، وسب العالم بالعلوم الدينية على وجه المزاح، فإنه يعزر والإصرار على الصغيرة، فإنه عليه السلام قال :"لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار".
وقد قال الإمام علاء الدين التركستاني الحنفي رحمه الله في "منظومته" : عدد الكبائر سبعون :