وفي "التأويلات النجمية" : كبائر الإثم حب الدنيا ومتابعة الهوى ؛ فإنها رأس كل خطيئة ومنشؤها، والفواحش هي الاشتغال بطلب الدنيا وصرفها في اتباع الهوى.
﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ : إذا ظرفية عمل فيها يغفرون.
والجملة الاسمية : هي المعطوفة على الصلة، وهي يجتنبون عطف اسمية على فعلية، والتقدير : والذين يجتنبون وهم يغفرون لا أنها شرطية، والاسمية جوابها لخلوها عن الفاء، وما زائدة مع إذا فإنها وإن كانت تزاد مع إذا التي للشرط، لكن في إذا الزمانية معنى الشرط، وهو ترتب مضمون جملة على أخرى، فتضمنت معنى حرف الشرط، فلذلك اختير بعدها الفعل لمناسبة الفعل الشرط، وإذا الزمانية للمستقبل، وإن كانت داخلة على المضي كما عرف في النحو والغضب ثوران دم القلب إرادة الانتقام.
ولذلك قال عليه السلام :"اتقوا الغضب فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه".
وقوله : هم مبتدأ ويغفرون خيره.
والمغفرة هنا، بمعنى العفو والتجاوز والحلم وكظم الغيظ.
والمعنى : وهم يعفون ويتجاوزون ويحملون ويكظمون الغيظ وقت غضبهم على أحد ويتجرعون كاسات الغضب النفسانية بأفواه القلوب الروحانية الربانية، ويسكنون صورة الصفة الشيطانية.
وبالفارسية :(ووقتى كه خشم كيربد بر مردمان بيست رنجى وزيانى ومكروهى كه بديشان رسانند ايشان در ميكذر انندانرا وعفو ميكنند).
وفيه دلالة على أنهم الأخصاء بالمغفرة حال الغضب لعزة منالها لا يزيل الغضب أخلاقهم كسائر الناس، وذلك ؛ لأن تقديم الفاعل المعنوي، أو التقديم مطلقاً يفيد الاختصاص، ثم يجوز في النظم أن يكون هم تأكيداً للفاعل في قوله : غضبوا وعلى هذا فيغفرون جواب الشرط وكذا في "الحواشي السعدية".
قال بعض الكبار في قوله : للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إشارة إلى مقام الرضا وتوحيد الأفعال، والصفات، فتوحيد الأفعال بإصلاح الطبيعة وتوحيد الصفات بإصلاح النفس بالاجتناب عن كبائرالإثم، وفواحش الشرك والسيئات، والاحتراز عن العضب، وسائر رذائل الصفات.
قيل لبعض الأنبياء : إذا خرجت من بيتك غداً، فكل من استقبلك أولاً واستر الثاني، وأعرض عن الثالث، فلما كان الغد استقبله جبل عظيم، فقصد إلى أكله امتثالاً للأمر، فصار تفاحة، فأكلها فوجدها ألذ الأشياء، ثم وجد طشتاً من ذهب، فكلما ستره خرج، ثم رأى مزابل، فأعرض عنها، فقيل : أما الجبل فالشدة والغضب، فعند ظهورها ترى كالجبل، فبالصبر وقصد الهضم تصير حلواً :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
تحمل نما يد جو رهرت نحست
ولى شهد كردد جودر طبع رست
وأما الطشت، فالحسنات وحسن الحال، فكلما قصد صاحبها إلى سترها انكشفت :
اكر مسك خالص ندارى مكوى
وكرهست خود فاش كردد بيوى
٣٣٠
وأما المزابل، فالدنيا :
جاى روح باك عليين بود
كرم باشد كش وطن سركين بود
﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ : نزلت في الأنصار دعاهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الإيمان، فاستجابوا له ؛ أي : لرسول الله من صميم القلب، كما هو المفهوم من إطلاق الاستجابة.
وفيه إشارة إلى أن الاستجابة للرسول استجابة للمرسل، فهو من عطف الخاص على العام لمزيد التشريف، وذلك لأن الاستجابة داخلة في الإيمان، فما وجه العطف عمع عدم التغاير بين الوصفين، ولا يلزم فيه أن تكون الآية مدنية، فإن كثيراً منهم أسلموا بمكة قبل الهجرة.
وفي الآية إشارة إلى استجابة خطاب ارجعي إلى ربك، فإنها استجابة مخصوصة بالنفس حاصلة لها بالسلوك.
﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا﴾ من أوصاف الأنصار أيضاً، والمراد : الصلوات الخمس، فإنهم يجدون أوقاتها، وإن كان تفاوت قليل في ساعات الليل والنهار في الحرمين الشريفين على ما جربناه.
قال العلماء من الناس من لم يجد وقت المغرب والعشاء ؛ لأنه يطلع الفجر حين تغرب الشمس، فيسقط عنهم ما لا يجدون وقته، وهذا كما أن رجلاً إذا قطع يداه مع المرفقين أو رجلاه مع الكعبين، ففرائض وضوئه ثلاثة لفوات محل الرابعة، وإنما ذكر إقامة الصلاة، ولم يذكر غيرها من العبادات، كإيتاء الزكاة والصوم مثلاً ؛ لأنه ما بين العبد والإيمان إلا إقامة الصلاة، كما أنه ما بينه وبين الكفر إلا ترك الصلاة، فإذا أقام الصلاة فقد آمن وأقام الدين كما إذا تركها، فقد كفر وهدم الدين.
وفي الحديث :"أول ما يحاسب العبد يوم القيامة بصلاته، فإن صلحت أفلح وأنجح، وإن فسدت، فقد خاب وخسر".
وقال عليه السلام :"أول ما يحاسب الرجل على صلاته، فإن كملت وإلا أكملت بالنافلة"، ثم يأخذ الأعمال على قدر ذلك.
﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ مصدر كالفتيا بمعنى التشاور وأصل : من الشور وهو الإخراج تسمى به ؛ لأن كل واحد من المتشاورين في الأمر يستخرج من صاحبه ما عنده.
والمعنى : وأمرهم ذو شورى لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه.
وبالفارسية :(كار ايشان بامشور تست ميان ايشان).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥