وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى أن أرباب القلوب الذين أصابهم الظلم من قبل أنفسهم هم ينتصرون من الظالم، وهو نفسهم بكبح عنانها عن الركض في ميدان المخالفة وجزاء سيئة صدرت من النفس من قبل الحرص والشهوة أو الغضب أو البخل، أو الجبن أو الحسد أو الكبر أو الغل.
سيئة تصدر من القلب مثل ما يصادف علاجها، أي : بضد تلك الأوصاف، فإن العلاج بأضداد هاو لا يجاوز عن حد المعالجة في رياضة النفس وجهادها، فإن لنفسك عليك حقاً، فمن عفا عن المبالغة في رياضة النفس وجهادها بعد أن أصلح النفس بعلاج أضداد أوصافها فأجره على الله تعالى، أنه لا يحب الظالمين الذين يضعون شدة الرياضة مع النفس موضع العفو.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾ اللام لام الابتداء.
ومن شرطية لدخول الفاء في جوابها، وهو فأولئك أو موصولة.
ودخلت الفاء لشبه الموصول بالشرط.
وقوله بعد ظلمه من إضافة المصدر إلى المفعول، أي : بعد ما ظلم وقرىء به وتذكير الضميرين باعتبار لفظ من.
والمعنى : ولمن انتقم بعد ظلم الظالم إياه يعني في الحقوق المالية.
والجزاء فيما إذا ظفر بالجنس عندنا وعند الشافعي بغير الجنس أيضاً.
فأولئك المنتصرون، فهو إشارة إلى من والجمع باعتبار المعنى.
﴿مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ﴾ بالمعاتبة أو المعاقبة، لأنهم فعلوا ما أبيح لهم من الانتصار.
(يا ايشانرا كناهى نيست).
والسبيل : الطريق الذي فيه سهولة.
والآية دفع لما تضمنه السياق من إشعار سد باب الانتصار ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ﴾، أي : يبتدؤنهم بالإضرار أو يعتدون في الانتقام ﴿وَيَبْغُونَ فِى الارْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾، أي : يتكبرون فيها تجبراً وإفساداً.
﴿أُوالَـائِكَ﴾ الموصوفون بما ذكر من الظلم والبغي بغير الحق.
﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بسبب ظلمهم وبغيهم.
﴿وَلَمَن صَبَرَ﴾ على الأذى واللام للابتداء.
ومن موصولة مبتدأ ﴿وَغَفَرَ﴾ لمن ظلمه، ولم ينتصر، وفوض أمره إلى الله تعالى وعن علي رضي الله عنه الجزع أتعب من الصبر :
در حوادث بصبر كوش كه صبر
برضاى خداى مقرونست
﴿إِنَّ ذَالِكَ﴾ منه لأنه لا بد من العائد إلى المبتدأ، فحذف ثقة بغاية ظهوره كما في قوله : السمن منوان بدرهم.
وفي "حواشي سعدي المفتي" قد يقال : لا حاجة إلى تقدير الراجح، لأن ذلك إشارة إلى صبره لا إلى مطلق الصبر، فهو متضمن للضمير فإن قلت : إن دلالة الفعل إنما هي على الزمان، ومطلق الحدث، كما قرر فالظاهر رجوع الضمير إليه، قلت : نعم، ولكن إسناده إلى ضمير من يفيده.
﴿لَمِنْ عَزْمِ الامُورِ﴾، أي : من معزومات الأمور، أي : مما يجب العزم عليه من الأمور بإيجاب العبد على نفسه لكونه من الأمور المحمودة عند الله تعالى.
والعزم عند القلب على إمضاء الأمر.
والعزيمة الرأي الج.
كما في المفردات، وبالفارسية (ازمهم ترين كارها اسب واين).
٣٣٦
في الحقيقة :(ازكار مردانست كه همه كس راقوت اين نباشدكه جفا كشد ووفاكند).
قال الحافظ :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
جفا خوريم وملامت كشيم وخوش باشيم
كه در طريقت ما كافريست رنجيدن
قال في "برهان القرآن" : قوله تعالى :﴿إِنَّ ذَالِكَ لَمِنْ عَزْمِ الامُورِ﴾ (الشورى : ٤٣).
وفي لقمان :﴿مِنْ عَزْمِ الامُورِ﴾ (لقمان : ٧) ؛ لأن الصبر على الوجهين صبر على مكروه وينال الإنسان ظلماً، فمن قتل بعض أعزته وصبر على المكروه ليس كمن مات بعض أعزته، فالصبر على الأول أشد.
والعزم عليه أوكد، وكان ما في هذه السورة من الجنس الأول لقوله : ولمن صبر وغفر، فأكد الخبر باللام.
والآية في المواد التي لا يؤدي العفو فيها إلى الشر، كما أشير إليه، فإن العفو مندوب إليه، ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال، فيرجع ترك العفو مندوباً إليه، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي، وقطع مادة الأذى.
يحكى : أن رجلاً سب رجلاً في مجلس الحسن رحمه الله، فكان المسبوب يكظم ويعرق فيسمح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية، فقال الحسن : عقلها والله وفهمهما إذ ضيعها الجاهلون.
قال أبو سعيد القرشي رحمه الله : الصبر على المكاره من علامات الانتباه، فمن صبر على مكروه يصيبه، ولم يجزع أورثه الله تعالى حالة الرضا، وهو أجل الأحوال، ومن جزع من المصائب وشكاها وكله الله إلى نفسه، ثم لم ينفعه شكواه.


الصفحة التالية
Icon