﴿وَقَالَ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾، وجاهدوا في الله تعالى حق جهاده وربحوا على ربهم.
﴿إِنَّ الْخَـاسِرِينَ﴾ ؛ أي : المتصفين بحقيقة الخسران، وهو انتقاص رأس المال، وينسب إلى الإنسان، فيقال : خسر فلان وإلى الفعل، فيقال : خسرت تجارته ويستعمل ذلك في القنيات الخارجة كالمال، والجاه في الدنيا، وهو الأكثر.
وفي "القنيات النفيسة" كالصحة والسلامة والعقل والإيمان والثواب، وهو الذي جعله الله الخسران المبين، وكل خسران ذكره الله في القرآن، فهو على هذا المعنى الأخير دون الخسران المتعلق بالقنيات الدنيوية والتجارات البشرية وخبر إن قوله تعالى :﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ﴾ :(آنانندكه زيان كردند بنفسهاى خويش وكسان خود).
بالتعريض للعذاب الخالد.
﴿يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾ : أما ظرف لخسروا، والقول في الدنيا أو لقال ؛ أي : يقولون لهم حين يرونهم على تلك الحالة وصيغة الماضي للدلالة على تحققه.
وقال الكاشفي :(زيان در نفسها آنست آنرا بعبادت بتان مستوجب آتش دوزخ كردا انيدند وزمان زيان در اهالي اكرد وزخى اندباكه نكه ايشانرا از ايمان بازدا اشتندو اكر بهشى اندبانكه ازديد از ايشان محروم ماندند).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
قال ابن الملك في "شرح المشارق" : الأهل
٣٣٨
يفسر بالأزواج والأولاد، وبالعبيد والإماء وبالأرقارب وبالأصحاب وبالمجموع.
وفي "التأويلات النجمية" : إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بإبطال استعدادهم إذ صرفوه في طلب الدنيا وزخارفها والالتذاذ بها وخسروا أهليهم إذ لم يقوا أنفسهم وأهليهم ناراً بقبول الإيمان وأداء الشرائع.
﴿إِلا﴾ :(بدانيد).
﴿إِنَّ الظَّـالِمِينَ﴾ ؛ أي : المشركين الذين كانوا في جهنم شهوات النفس جثياً في الدنيا.
﴿فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾ في الآخرة إلى الأبد.
وبالفارسية :(در عذابي بيوسته اند يعني باقى وبي انقطاع).
أما من تمام كلامهم أو تصديق من الله لهم.
﴿وَتَرَاـاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَـاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىٍّا وَقَالَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ الْخَـاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِا أَلا إِنَّ الظَّـالِمِينَ فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ * وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّه وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَه مِن سَبِيلٍ * اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَه مِنَ اللَّه مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ يَوْمَـاـاِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ * فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلَـاغُا وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الانسَـانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةُا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الانسَـانَ كَفُورٌ﴾.
﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم﴾ بدفع العذاب عنهم.
﴿مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ حسبما كانوا يرجون ذلك في الدنيا.
﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ :(وهر كرا كمراه سازد خداى تعالى).
﴿فَمَا لَه مِن سَبِيلٍ﴾ يؤدي سلوكه إلى النجاة.
وفي "التأويلات النجمية" : ومن يضلل الله بأن يشغله بغيره فما له من سبيل يصل به إلى الله تعالى.
قال ذو النون المصري قدس سره : رأيت جارية في جبل أنطاكية، فقالت لي : ألست ذا النون؟.
قلت : كيف عرفت.
قالت : عرفتك بمعرفة الحبيب، ثم قالت : ما السخاء؟، قلت : البذل والعطاء، قالت : ذاك سخاء الدنيا فما سخاء الدين، قلت : المسارعة إلى طاعة رب العالمين.
قالت : تريد شيئاً، قلت : نعم.
قالت : تأخذ العشرة بواحدة لقوله تعالى :﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَه عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ (الأنعام : ١٦٠)، فأين السخاء؟ قلت : فما السخاء عندك؟.
قالت : إنما هو أن يطلع على قلبك، فلا يرى فيه غيره.
ويحك يا ذا النون، إني أريد أن أسأل شيئاً منذ عشرين سنة وأستحيي منه مخافة أن أكون كأجير السوء إذا عمل طلب الأجرة، فلا تعمل إلا تعظيماً لهيبته، فعلم أن إخراج الغير من القلب والاشتغال بالله تعالى من أوصاف الخواص، فمن اهتدى به ربح، ومن ضل عنه خسر، وهو بيد الله تعالى، إذ هو الولي، فعلى العبد أن يسأل الهداية، ويطلب الغاية حتى يخرجه الله من ظلمات نفسه الأمارة إلى أنوار تجليات الروحانية، ويجعل له إليه سبيلاً ينجو به من المهالك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
حكي : أن شيخاً حج مع شاب، فلما أحرم، قال : لبيك، فقيل له : لا لبيك، فقال الشاب للشيخ : ألا تسمع هذا الجواب، فقال : كنت أسمع هذا الجواب منذ سبعين سنة.
قال : فلأي شيء تتعب، فبكى الشيخ، فقال : فإلى أي باب ألتجىء، فقيل له : قد قبلناك.
فهذا من هداية الله الخاصة، فافهم جداً.
قال الصاحب :
بنو ميدى مده تن كرجه دركام نهنك افتى
كه دارد دردل كرداب بحر عشق ساحلها


الصفحة التالية
Icon