﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم﴾ إذ دعاكم إلى الإيمان على لسان نبيه عليه السلام.
﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَه مِنَ اللَّهِ﴾ ؛ أي : لا يرده الله بعدما حكم به على أن من صلة مرد ؛ أي : من قبل أن يأتي من الله يوم لا يمكن رده.
وفي تعليق الأمر بالاستجابة اسم الرب، ونفي المراد والإتيان بالاسم الجامع نكتة لا تخفى كما في "حواشي سعدي المفتي".
﴿مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ يَوْمَـاـاِذٍ﴾ ؛ أي : مفر تلتجئون إليه ؛ أي : ما لكم مخلص ما من العذاب على ما دل عليه تأكيد النفي بمن استغراقية، والملجأ.
بالفارسية :(بناه وكريز كاه).
﴿وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ﴾ ؛ أي : إنكار ما لما اقترفتموه ؛ لأنه مدون في صحائف أعمالكم وتشهد عليكم جوارحكم، وهو مصدر أنكر على خلاف.
ولعل المراد : الإنكار المنجي وإلا فهم يقولون : والله ربنا ما كنا مشركين.
وغير ذلك، ولذلك تشهد عليهم أعضاؤهم.
قال الجنيد قدس سره : استجابة الحق، لمن يستمع هواتفه وأوامره وخطابه فيتحقق له الإجابة بذلك السماع، ومن يستمع الهواتف كيف يجيب، وأتى له محل الجواب.
وفي "التأويلات النجمية" :
٣٣٩
يشير بقوله : استجيبوا لربكم للعوام إلى الوفاء بعهده، والقيام بحقه والرجوع عن مخالفته إلى موافقته، وللخواص إلى الاستسلام للأحكام الأزلية والإعراض عن الدنيا وزينتها وشهواتها إجابة لقوله تعالى :﴿وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَـامِ﴾ (يونس : ٢٥)، ولأخص الخواص من أهل المحبة إلى صدق الطلب بالإعراض عن الدارين متوجهاً لحضرة الجلال ببذل الوجود في نيل الوصول والوصال مجيباً لقوله :﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ﴾ (الأحزاب : ٤٦)، والطريق اليوم إلى الاستجابة مفتوح، وعن قريب سيغلق الباب على القلوب بغتة، ويأخذ فلتة.
وذلك قوله تعالى : من قبل أن يأتي.
إلخ.
ونعم ما قال الشاعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
تمتع من شميم عرار نجد
فما بعد العشية من عرار
أي : استمتع بشم عرار نجد، وهي وردة ناعمة صفراء طيبة الرائحة، فإنا نعدمه إذا أمسينا لخروجنا من أرض نجد ومنابته، فالإشارة إلى شم عرار الحقيقة، فإنه إنما يكون ما دام الروح الإنساني في نجد الوجود الشهودي وحده، فإن انتقل منه إلى حدّ البرزخ بزوال شمس الحياة والانتهاء إلى عشية العمر، فلا يمكن شمه أصلاً.
جون بى خبران دامن فرصت مده ازدست
تاهست بروبال زعالم سفرى كن
﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾، تلوين للكلام وصرف له عن خطاب الناس بعد أمرهم بالاستجابة، وتوجيه له إلى الرسول عليه السلام ؛ أي : فإن لم يستجيبوا وأعرضوا عما تدعوهم إليه، فما أرسلناك رقيباً ومحاسباً عليهم، وحافظاً لأعمالهم.
وبالفارسية :(نكهبانى كه از عمل بد ايشانرا نكاه دارى).
وفيه تسلية لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلَـاغُ﴾ ؛ أي : ما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة، وقد فعلت فلا يهمنك إعراضهم.
وفي "التأويلات النجمية" : فإن أعرضوا عن الله بالإقبال على الدارين، ولم يجيبوا، فما أرسلناك عليهم حفيظاً من الالتفات إلى الدارين ؛ لأن الحفظ من شأني لا من شأنك، فإني حفيظ، فليس عليك إلا تبليغ الرسالة، ثم نحن نعلم بما نعاملهم بالتوفيق، أو بالخذلان.
قال الغزالي رحمه الله في شرح الأسماء : الحفيظ من العباد من يحفظ جوارحه وقلبه ويحفظ دينه من سطوة الغضب وخلابة الشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان، فإنه على شفا جرف هار، وقد اكتنفته هذه المهلكات المفضية إلى النار.
وقد عرف كلها من لسان الشارع صلى الله تعالى عليه وسلم، فليسارع العبد إلى دفع الموبقات، وجلب المنجيات بإصلاح النفس والتخلق بالأخلاق الإلهية، فإن النفس طاغية مؤدية إلى الإفلاس والخسار.
وفي الحديث :"أتدرون من المفلس؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع".
قال عليه السلام :"المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا، أو سفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، فإن فنيت حسنانه قبل أن يقضي أخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم يطرح في النار"، فلا ينبغي للعاقل أن يبقى مع النفس، فإنه إذا نزل عليه العذاب غضباً للنفس لا يجد ولياً يتولاه، ولا نصيراً ينصره ولا ملجأ يفر إليه، فهذه حال المعرضين، وأما حال المقبلين القابلين للبلاغ والإرشاد، فالله تعالى يحفظهم مما يخافونه يوم المعاد :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
خجل آنكس كه رفت وكار نساخت
كوس رحلت زدند وبار نساخت
﴿وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الانسَـانَ مِنَّا﴾ :(از نزديك
٣٤٠
خود).
﴿رَحْمَةً﴾ ؛ أي : نعمة من الصحة والغنى والأمن.
﴿فَرِحَ بِهَا﴾ بطر لأجلها.