﴿مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ ؛ أي : يختص به ملك العالم كله لا يقدر أن يملكه أحد سواه، فله التصرف فيه وقسمة النعمة، والبلية على أهله، وليس عليهم إلا الشكر في النعمة والصبر في البلية والرضا والتسليم للأحكام الأزلية.
وبالفارسية :(وخداير است بادشاهى آسمانها وزمينها).
﴿يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾ مما يعلمونه ومما لا يعلمونه على أي صورة شاء.
﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـاثًا﴾ من الأولاد.
يعني :(مى بخشد هر كرامى خواهد دختران).
فلا يجعل معهن ذكوراً، يعني :(بسران).
مثل ما وهب لشعيب ولوط عليهما السلام والهبة أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض والوهاب هو الله تعالى ؛ لأنه يعطي كلاً على قدر استحقاقه، ولا يريد عوضاً، والإناث جمع أنثى خلاف الذكر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
والجملة بدل من يخلق بدل البعض قدم الإناث ؛ لأنها أكثر لتكثير النسل، أو لتطييب قلوب آبائهن إذ في التقديم تشريف لهن وإيناس بهن، ولذلك جعل من مواهب الله تعالى مع ذكر اللام الانتفاعية أو الرعاية الترتيب الواقع، أولاً في الهبة بنوع الإنسان، فإنه تعالى وهب أولاً لآدم زوجته حواء عليهما السلام بأن ولدها منه وخلقها من قصيراه، وهي أسفل الأضلاع، أو آخر ضلع في الجنب كما في "القاموس".
قال في "الكواشي" : ويجوز أنهن قد من توبيخاً لمن كان يئدهن ونكرن إيماء إلى ضعفهن ليرحمن، فيحسن إليهن.
قال في "الشرعة وشرحه"، ويزداد فرحاً بالنبات مخالفة لأهل الجاهلية ؛ فإنهم يكرهونها بحيث يدفنونها في التراب في حال حياتها.
وفي الحديث :"من بركة المرأة تبكيرها بالبنات" ؛ أي : يكون أول ولدها بنتاً.
ألم تسمع قوله تعالى :﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـاثًا﴾، الآية.
حيث بدأ بالإناث.
وفي الحديث :"من ابتلي من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهن ؛ أي : بالتزويج بالأكفاء ونحوه كن له ستراً من النار".
والنبي عليه السلام سماهن المجهزات المؤنسات ؛ أي : المهيأ جهازهن سماهن بها تفاؤلاً وتيمناً.
والمؤنسات للوالدين والأزواج.
وفي الحديث :"سألت الله أن يرزقني ولداً بلا مؤونة، فرزقني البنات".
وفي الحديث القدسي خطاباً للبنت حين ولدت :"انزلي وأنا عون لأبيك".
وفي الحديث :"لا تكرهوا البنات، فإني أبو البنات".
يقول الفقير : معناه أن كونه عليه السلام أبا البنات يكفي في عدم كراهة البنات، إذ لا يختار الله له إلا ما هو خير، ومن لم يرض بما اختاره له تعرض لسخط الله، وكم ترى في هذا الزمان من السخط على البنات اقتداء بأهل الجاهلية، ولو كان لهم أسوة حسنة في رسول الله لأحبوا ما أحبه، وكان لهم في ذلك شرف عظيم.
﴿وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ﴾ من الأولاد يعني :(بسران).
ولا يكون فيهم إناث كما وهب إبراهيم عليه السلام من غير أن يكون في ذلك مدخل لأحد ومجال اعتراض :
با اختيار حق نبود اختيار ما
بانور آفتاب جه باشد شرار ما
والذكور جمع ذكر ضد الأنثى عرف الذكور للمحافظة على الفواصل، أو لجبر التأخير.
يعني : أن الله تعالى أخرّ الذكور مع أنهم أحقاء بالتقديم، فتدرك تأخيرهم بتعريفهم ؛ لأن في التعريف العهدي تنويهاً وتشهيراً ؛ كأنه قيل : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام الذين لا يخفون عليكم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وفي الحديث :"إن أولادكم هبة الله لكم يهب لمن يشاء إناثاً، ويهب لمن يشاء الذكور وأموالهم لكم إن احتجتم إليها".
﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَـاثًا﴾.
معنى التزويج هنا :(جفت قرين كردن)، كما في "تاج المصادر"، والذكران جمع ذكر.
والمعنى : يقرن بين الصنفين فيهبهما جميعاً، بأن يولد له الذكور والإناث مثل ما وهب
٣٤٢
لنبينا ﷺ إذ كان له من البنين ثلاثة على الصحيح : قاسم وعبد الله وإبراهيم.
ومن البنات أربع زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن.
وقال بعضهم : معنى يزوجهم أن تلد غلاماً، ثم جارية، ثم غلاماً، أو تلد ذكراً وأنثى توأمين.
﴿وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًا﴾ :(بى فرزندو نازاينده).
فلا تلد ولا يولد له كعيسى ويحيى عليهما السلام، فإنهما ليسا لهما أولاد.
وأما عيسى فلم يتزوج، وإن كان يتزوج حين نزوله في آخر الزمان، ويكون له بنات، وأما يحيى فقد تزوج، ولكن لم يقرب لكونه عزيمة في شريعته وبعضهم لم يكن له أولاد، وإن حصل له قربان النساء.
وأصل العقم : اليبس المانع من قبول الأثر.
والعقيم من النساء التي لا تقبل ماء الفحل.


الصفحة التالية
Icon