وفي "القاموس" : العقم بالضم : هرمة تقع في الرحم، فلا تقبل الولد، ورجل عقيم لا يولد له، فالعقم كما يقع صفة للمرأة يقع صفة للرجل بأن يكون في مائه ما يمنع العلوق من الأعذار، وتغيير العاطف في الثالث ؛ لأنه قسيم المشترك بين القسمين، وهو أي المشترك بينهما مفهوم الصنف الواحد، فالثالث : جامع بين الصنفين، فلو ذكر أيضاً بالواو، ولربما توهم من أول الأمر أنه قسيم لكل من القسمين لا للمشترك بينهما ؛ لأنه حال عما في الرابع من الإفصاح.
يعني : أنه لا حاجة إليه في الرابع لإفصاحه، بأنه قسيم المشترك بين الأقسام المتقدمة، وهو هبة الولد ولا يشتبه على أحد أن العقم يقابلها، فلا حاجة إلى التنبيه على ذلك.
﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿عَلِيمٌ﴾ بليغ العلم بكل شيء مما كان وما يكون.
﴿قَدِيرٌ﴾ بليغ القدرة على كل مقدور، فيفعل ما فيه حكمه ومصلحة.
وقال الكاشفي :(دانست بانجه مى دهد تواناست بانجه ميسازد دانايى اواز جهل مقدس ومبراست وتوانايى او از عجز منزه ومعرا علم او بر طرف از شائبة جهل فتور وقدرتش باك از آلايش نقصان وقصور).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وعلم أن الإنسان إما أن لا يكون له ولد، أو يكون له ولد ذكر أو أنثى، أو ذكر وأنثى.
وقد استوفى في الآية جميع الأقسام.
فالمعنى : أن الله تعالى يجعل أحوال العباد في حق الأولاد مختلفة على ما تقتضيه المشيئة فيهن، فيهب لبعض إما صنفاً واحداً من ذكر أو أنثى، وإما صنفين ويعقم آخرين، فلا يهب لهم ولد قط، فالأولاد ذكوراً وإناثاً من مواهب الله تعالى وعطاياه.
ولذا سن لم يبشر بالمولود أنه يستبشر به ويراه نعمة أنعم الله بها عليه.
ففي الحديث :"ريح الولد من ريح الجنة".
وقال عليه السلام :"الولد في الدنيا نور وفي الآخرة سرور"، وقد ورد :"سوداء ولود خير من حسناء عقيم".
وذلك لأن التناسل إنما هو بالولود، ويعرف كونها ولوداً بالصحة والشباب، ولا ينفي الولد الذي يولد على فراشه، فإن الله تعالى يفضحه يوم القيامة ويكتب عليه من الذنب بعدد النجوم والرمال والأوراق.
وقيل : معنى الآية يهب لمن يشاء إناثاً ؛ أي : الدنيا، ويهب لمن يشاء الذكور ؛ أي : الآخرة، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ؛ أي : الدنيا والآخرة، ويجعل من يشاء عقيماً ؛ أي : لا دنيا ولا عقبى.
كذا في "كشف الأسرار".
وفيه إشارة إلى أنوثة الدنيا وذكورة الآخرة.
قال أمير خسرو دهلوى :
بهران مردار جندب كاه زارى كاه زور
جون غيلواجى كه شش مه ماده وشش مه تراست
وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى أرباب الولاية من المشايخ المستكملين يهب لبعضهم من المريدين الصادقين الأتقياء الصلحاء، وهم بمثابة الإناث لا تصرف لهم في غيرهم بالتزويج والتسليك، ويهب لبعضهم من المريدين الصديقين المحبين الواصلين الكاملين المستكملين المخرجين.
وهم بمثابة الذكور لاستعداد تصرفهم في الطالبين، ويهب لبعضهم من الجنسين المذكورين المتصرفين في الغير وغير المتصرفين ويجعل بعض المشايخ عقيماً لأمر يدل أنه
٣٤٣
عليم بمن يجعله متصرفاً وغير متصرف في المريد قدير على ما يشاء أن يجعله متصرفاً، أو غير متصرف.
يقول الفقير : هذا التفاوت بينهم إما راجع إليهم لحكمة أخفاها الله تعالى، وإما إلى أهالي زمانهم ؛ فإنهم متفاوتون كتفاوت الأمم، فماذا يصنع الكاملون المكملون إذا لم يكن في الناس استعداد.
قال الحافظ :
كوهر باك ببايدكه شود قابل فيض
ورنه هرسنك كلى لؤلؤ ومرجان نشود
﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ ؛ أي : وما صح لفرد من أفراد البشر يا محمد.
﴿أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ﴾ بوجه من الوجوه.
﴿إِلا وَحْيًا﴾ أصل الوحي الإشارة السريعة، وإنما سمي الوحي وحياً لسرعته، فإن الوحي عين الفهم.
عين الأفهام، عين المفهوم منه، كما يذوقه أهل الإلهام من الأولياء.
وقد عرف بعضهم الوحي ؛ بأنه ما تقع به الإشارة القائمة مقام العبارة في غير عبارة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٥
وقال الراغب : ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأليائه وحي.
يقول الفقير : يعلم منه أن الوحي والإلهام واحد في الحقيقة، وإنما قيل : الوحي في الأنبياء والإلهام في الأولياء تأدباً، كما قيل : دعوة الأنبياء والإرشاد الأولياء، فاستعملوا الدعوة في الأنبياء والأرشاد في الأولياء مع أنهما أمر واحد، فللوحى إما بإلقاء في الروع، كما ذكر عليه السلام :"إن روح القدس نفث في روعي"، وإما بإلهام نحو قوله :﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ (القصص : ٧)، وإما بتسخير نحو قوله تعالى :﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ (النحل : ٦٨)، أو بمنام كقوله عليه السلام، "انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن"، فهذه الأنواع دل عليها قول إلا وحياً، فمعناه الإبانة يوحى إليه ويلهمه، ويقذف في قلبه، كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم في ذبح ولده وإلى داود الزبور في صدره.
قاله مجاهد، وسيأتي تحقيق الآية إن شاء الله تعالى.