قال بعض الكبار : إذا كان ميل المرء إلى الشهوة، والصورة والخلق يشتغل بتزيين ظاهره باللباس المعتبر عند الناس، وإذا كان ميله إلى المحبة والحقيقة والحق يشتغل بتزيين باطنه بما يعتبر عند الله، ولا يلتفت إلى ظاهره، بل يكتفي بما يحفظه من الحر والبرد ؛ أي : شيء كان.
وقال بعض الكبار : تتبع كتاب الله في الليل والنهار يوصلك إلى مقام الأحرار ؛ لأن كل ما يؤدي
٣٥٠
إلى ذكر الله تعالى، فهو علاج القلوب المريضة ؛ لأن أعظم الأمراض القلبية هو نسيان الله تعالى، كما قال :﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ (التوبة : ٦٧) ولا شك أنه علاج أمر بضده، وهو ذكر الله.
كما قال :﴿فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة : ١٥٢) :
دلت آيتنه خداى نماست
روى آيينه توتيره جراست
صيقلى دارى صيقلى ميزن
تاكه آيينة ات شود روشن
صيقل آن اكرنه آكاه
نيست جز لا إله إلا الله
﴿أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ﴾ يعد ما بين علو شأن القرآن العظيم وحقق أن إنزاله على لغتهم ليعقلوه ويؤمنوا به ويعملوا بموجبه عقب ذلك بإنكار أن يكون الأمر بخلافه، فقيل : أفنضرب عنكم الذكر.
والفاء : للعطف على محذوف يقتضيه المقام.
والمعنى : أنهملكم فنخي القرآن عنكم، ونبعده ونترك الأمر والنهي والوعد والوعيد مجاز من قولهم : ضرب الغرائب عن الحوض استعارة تمثيلية شبه حال الذكر وتنحيته بحال غرائب الإبل وذودها، ثم استعمل ما كان مستعملاً في تلك القصة، ها هنا.
والمراد بالغرائب البعران الأجانب والإبل إذا وردت الماء ودخلت بينها ناقة غريبة من غيرها ذيدت وطردت عن الحوض.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
وفيه إشعار باقتضاء الحكمة توجه الذكر إليهم بملازمته لهم ؛ كأنه يتهافت عليهم.
﴿صَفْحًا﴾ الصفح : الإعراض يقال : صفح كمنع أعرض وترك وعنه عفا والسائل رده كأصفحة وسُمي العفو صفحاً لأنه إعراض عن الانتقام من صفحة الوجه ؛ لأن من أعرض عنك، فقد أعطاك صفحة وجهه.
والمعنى : إعراضاً عنكم على أنه مفعول له للمذكور أو صافحين على أنه حال، أو مصدر من غير لفظه، فإن تنحية الذكر عنهم إعراض.
﴿أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ﴾ السرف : تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان ؛ أي : لأن كنتم منهمكين في الإسراف في المعاصي مصرين عليه على معنى أن حالكم، وإن اقتضى تخليتكم وشأنكم حتى تموتوا على الكفر والضلالة، وتبقوا في العذاب الخالد لكنا لسعة وحمتنا لا نفعل ذلك، بل نهديكم إلى الحق بإرسال الرسول الأمين وإنزال الكتاب المبين.
(در تبيان كفته كه بسبب شرك شما قرآنرا بآسمان نخواهيم بردكه دانسته ايم كه زود بيايند قومى كه بدو بكروند وباحكام آن عمل كنند).
وإنما يرتفع القرآن في آخر الزمان.
قال قتادة : والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، أو لكن عاد بعائدته ورحمته، فكرره عليهم عشرين سنة، أو ما شاء الله (كفتا والله كه اكر در صدر آن امت رب العزت قرآن از زمين برداشتى بكفر كافران ورد ايشان خلق همه هلاك كردندى ويك كس نماندى لكن حق تعالى بانكار وكفر ايشان ننكريست بفضل ورحمت خود نكريست همجنان قرآن روز بروز مى فرستاد تمامى بيست سال يازياده تاكار دين تمام كشف واسلام قوى شد).
وفيه إشارة إلى أن من لم يقطع اليوم خطابه عمن تمادى في عصيانه وأسرف في أكثر شأنه كيف يمنع غداً لطائف غفرانه وكرائم إحسانه عمن لم يقصر في إيمانه، ولم يدخل خلل في عرفانه، وإن تلطخ بعصيانه.
(دارم از لطف ازل جنت فردوس طمع كرجه درباني ميخانه فراوان كردم بير طريقت درمنا جات خويش كفته إلهي توانى كه از بنده ناسزامى بينى وبعقوبت نشتابى از بنده كفر مى شنوى ونعمت ازوى بازنكيرى ثواب وعفو بروى عرضه ميكنى وبيغام وخطاب خود اوراباز خوانى واكرباز آيد وعده مغفرت ميدهى كه).
٣٥١
﴿إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ (الأنفال : ٣٨).
جون بادشمن بدكر دار جنينى جه كويم كه دوست نكوكار راجونى.
دوستا نراكجا كنى محروم.
توكه بادشمنان نظر دارى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِى الاوَّلِينَ﴾.
كم خبرية في موضع النصب على أنه مفعول مقدم لأرسلنا، ومن نبي تمييز.
وفي الأولين متعلق بأرسلنا، أو بمحذوف مجرور على أنه صفة لنبي.
والمعنى : كثيراً من الأنبياء أرسلنا في الأمم الأولين والقرون الماضية.
﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِى الاوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِىٍّ إِلا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِءُونَ * فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الاوَّلِينَ * وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ﴾.


الصفحة التالية
Icon