وفي الآية إشارة إلى أن في جبلة الإنسان معرفةمركوزة، وذلك لأن الله تعالى ذرأ ذريات بني آدم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم بخطاب : ألست بربكم، فأسمعهم خطابه وعرفهم ربوبيته وفقهم لإجابته حتى قالوا : بلى.
فصار ذلك الإقرار بذر ثمرة إقرارهم بخالقية الله تعالى في هذا العالم، لكن الله تعالى لعزته لا يهتدي إلى سرادقات عزته إلا من أعزه الله تعالى بجذبات عنايته، وهو العليم الذي يعلم حيث يجعل رسالاته.
اسم أعظم (بكند كار خود اى دل خوش باش.
كه بتلبيس وحيل ديو سليمان نشود).
﴿الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ مَهْدًا﴾ استئناف من جهته تعالى.
والجعل بمعنى تصيير الشيء على حاله دون حالة والمهد والمهاد المكان الممهد الموطأ لقوله تعالى :﴿جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ فِرَاشًا﴾ (البقرة : ٢٢) ؛ أي : بسطها لكم تستقرون فيها.
وبالفارسية :(ساخت براى شما زمين را بساطى كسترده تاقراركاه شما باشد).
وفي "بحر العلوم" : جعل الأرض مسكناً لكم تقعدون عليها وتنامون وتنقلبون كما ينقلب أحدكم على فراشه ومهاده.
﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا﴾ تسلكونها في أسفاركم لأمور الدين والدنيا جمع سبيل، وهو من الطرق ما هو معتاد السلوك.
وقال الراغب : السبيل الطريق الذي فيه سهولة.
﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ ؛ أي : لكي تهتدوا لسلوكها إلى مقاصدكم.
يعني :(بسوى بلاد وديارى كه خواهيد).
أو بالتفكر فيها إلى التوحيد الذي هو المقصد الأصلي.
﴿الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَالَّذِى نَزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءَا بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِه بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَالِكَ تُخْرَجُونَ * وَالَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالانْعَـامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُا عَلَى ظُهُورِه ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَـانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـاذَا وَمَا كُنَّا لَه مُقْرِنِينَ * وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿وَالَّذِى نَزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءَا بِقَدَرٍ﴾ بمقدار ووزن ينفع العباد والبلاد، ولا يضرهم وبالفارسية :(آبى باندازه حاجت ومصلحت يعنى نه بسيار غرق شدن باشد جون طوفان ونه اندك كه
٣٥٣
مهمات زراعت وغير اورا كفايت نكند).
وهذه عادة الله في عامة الأوقات، وقد ينزل بحسب الحكمة ما يحصل به السيول، فيضرهم، وذلك في عشرين أو ثلاثين سنة مرة ابتلاء منه لعباده وأخذاً بهم بما اقترفوا.
﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ﴾ ؛ أي : أحيينا بذلك الماء والإنشار إحياء الميت.
بالفارسية : زنده كردن مرده را.
﴿بَلْدَةً مَّيْتًا﴾ مخفف من الميت بالتشديد ؛ أي : خالية عن النماء والنبات بالكلية شبه زوال النماء عنها بزوال الحياة عن البدن وتذكير ميتاً ؛ لأن البلدة في معنى البلد، والمكان والفضاء.
وقال سعدي المفتي : لا يبعد والله تعالى أعلم أن يكون تأنيث البلد وتذكير الميت إشارة إلى بلوغ ضعف حاله الغاية والالتفات إلى نون العظمة لإظهار كمال العناية بأمر الإحياء والإشعار بعظم خطره.
﴿كَذَالِكَ﴾ ؛ أي : مثل ذلك الإحياء الذي هو في الحقيقة إخراج النبات من الأرض.
﴿تُخْرَجُونَ﴾ ؛ أي : تبعثون من قبوركم إحياء تشبيه إحيائهم بإحياء البلدة الميت كما يدل على قدرة الله تعالى وحكمته مطلقاً، فكذلك يدل على قدرته على القيامة والبعث.
وفي التعبير عن إخراج النبات بالإنشار الذي هو إحياء الموتى، وعن إحيائهم بالإخراج تفخيم لشأن الإنبات وتهوين لأمر البعث لتقويم سند الاستدلال وتوضيح منهاج القياس.
وفي الآية إشارة إلى أن الله تعالى : نزل من سماء الروح ماء الهداية، فأحيا به بلدة القلب الميت كذلك يخرج العبد من ظلمات أرض الوجود إلى نور الله تعالى، فإنه ما دام لم يحيا قلبه بماء الهداية، لم يخرج من ظلمات أرض الوجود، كما أن البذر ما لم يحيا في داخل الأرض بالمطر لم يظهر في ظاهرها، فكان الفيض سبب النور.
روي : أن أم الحسن البصري رضي الله عنه كانت مولاة أم سلمة رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلّم وربما غابت لحاجة، فيبكي فتعطيه أم سلمة ثديها، فيشربه، فنال الحكمة والفصاحة من بركة ذلك.
وأيضاً حياة القلب بأسباب منها : الغذاء الحلال.
(ئنقلست كه اويس القرنى رضي الله عنه يكبارسه شبا نروز هيج نخورده بود بيرون آمد برراه يك دينار افتاده بود كفت ازكسى افتاده باشد روى كردانيد تاكياه اززمين برجيند وبخورد ناكاه ديكدكه كوسفندى مى آيد وكرده كرم دردهان كرفته بيش وى بنهاد واو كفت مكر ازكسى ربوده باشد روى بكر دانيد كو سفند بسخن درآمد كفت من بنده آن كنم توبنده وى بستان روزى از بنده خداى كفت دست دراز كردم تاكرده بر كيرم كرده دردست خويش ديدم وكوسفند نابديدشد).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩


الصفحة التالية
Icon