يقول الفقير : لعله كان من الأرواح العلوية، وإنما تمثل بصورة الغنم من حيث أن أويس كان الراعي، ومن حيث أن الغنم كان صورة الانقياد والاستسلام.
وفي الآية إشارة إلى أن الله تعالى جعل للناس طرقاً مختلفة من الهداية والضلالة، فأما طريق الهداية فبعدد أنفاس الخلائق وكلها موصلة إلى الله تعالى، وأما طريق الضلالة، فليس شيء منها موصلاً إلى الرحمة، بل إلى الغضب، فليسارع العبد إلى قبول دعوة داعي الرحمة كما.
قيل : خواص هذه الأمة وأفضل الطريق طريق الذكر والتوحيد.
ولذا أمر الله بالذكر الكثير :
بيش روشن دلان بحر صفا
درك حق كوهرست دون دريا
برورش ده بقعر آن كهرى
كه نيايد بلب ازان اثرى
تاخدا سازدش بنصرت وعون
كوهرى قيمتش فزون زدو كون
﴿وَالَّذِى خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا﴾ ؛ أي : أصناف المخلوقات بأسرها كما قال :
٣٥٤
﴿مِمَّا تُنابِتُ الارْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ﴾ (يس : ٣٦) لا يشذ شيء منها عن إيجاده واختراعه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الأزواج : الضروب والأنواع كالحلو والحامض والأبيض والأسود والذكر والأنثى.
وقيل : كل ما سوى الله فهو زوج كفوق وتحت ويمين وشمال وقدام وخلف، وماض ومستقبل، وذات وصفات وأرض وسماء وبحر وشمس وقمر وليل ونهار وصيف وشتاء وجنة ونار إلى غير ذلك مما لا يحصى، وكونها أزواجاً يدل على أنها ممكنة الوجود وإن محدثها فرد منزه عن المقابل والمعارض.
﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ﴾ ؛ أي : السفن الجارية في البحر.
﴿وَالانْعَـامِ﴾ ؛ أي : الإبل والدواب يعني :(جهاربابان).
﴿مَا تَرْكَبُونَ﴾ ؛ أي : ما تركبونه في البحر والبر على تغليب أحد اعتباري الفعل لقوته على الآخر فإن ركب يعدى إلى الأنعام بنفسه.
يقال : ركبت الدابة وإلى الفلك بواسطة حرف الجر.
يقال : ركبت في الفلك.
وتقديم البيان على المبين للمحافظة على الفاصلة النونية، وتقديم الفلك على الأنعام ؛ لأن الفلك أدل دليل على القدرة الباهرة والحكمة البالغة.
﴿لِتَسْتَوُا عَلَى ظُهُورِهِ﴾ ؛ أي : لتستعلوا على ظهور ما تركبونه من الفلك والأنعام والظهور للأنعام حقيقة لا للفلك، فدل على تغليب الأنعام على الفلك.
وإيراد لفظ ظهور بصيغة الجمع مع أن ما أضيف مفرد إليه للمعنى ؛ لأن مرجع الضمير جمع في المعنى، وإن كان مفرداً في اللفظ.
﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾ عليكم ﴿إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
والمراد الذكر بالقلوب ؛ لأنه هو الأصل.
وله الاعتبار فقد ورد "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم بل إلى قلوبكم ونياتكم".
وبه يظهر وجه إيثار تذكروا على تحمدوا.
والمعنى : ثم تذكروا نعمة ربكم بقلوبكم إذا استعليتم عليه معترفين بها مستعظمين لها، ثم تحمدوا عليها بألسنتكم.
﴿وَتَقُولُوا﴾ متعجبين من ذلك.
﴿سُبْحَـانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـاذَا﴾ : المركوب يعني :(باكست آن خداى كه رام ونرم كردانيد وزيردست ساخت براى ما اين كشتى واين حيوانرا تابمدد ركوب برايشان قطع بر وبحر ميكنيم).
﴿وَمَا كُنَّا لَه مُقْرِنِينَ﴾ ؛ أي : مطيقين بتذليلها يعني : ليس عندنا من القوة والطاقة أن نقرن هذه الدابة والفلك، وأن نضبطها، فسبحان من سخر لنا هذا بقدرته وحكمته.
وهذا من تمام ذكر نعمته تعالى إذ بدون اعتراف المنعم عليه بالعجز عن تحصيل النعمة لا يعرف قدرها ولا حق المنعم بها.
قال في "القاموس" : أقرن الأمر أطاقه وقوي عليه، كاستقرن وعن الأمر ضعف ضد، انتهى.
والإقران بالفارسية :(طاقت جيزى داشتن).
وفي "كشف الأسرار" : تقول : أقرنت الرجل إذا ضبطته وساويته في القوة وصرت له قرناً.
وقال غيره : أصله وجده قرينه ؛ لأن الصعب لا يكون قريناً للضعيف، يعني : أن من وجد شيئاً قرينه لم يصعب عليه، وهو معنى أطاقه.
﴿وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ ؛ أي : راجعون بالموت.
وبالفارسية :(باز كردنده كايم در آخر برمركبى كه جنازه كويند وآخر مركبى از مراكب دنيا آنست.
هش دار وعنان كشيده رو آخر كار.
بر مركب جوبين زجهان خواهى رفت).
وفيه إيذان بأن حق الراكب أن يتأمل فيما يلابسه من المسير، ويتذكر منه المسافرة العظمى التي هي الانقلاب إلى الله تعالى فيبني أموره في مسيره ذلك على تلك الملاحظة، ولا يخطر بباله في شيء مما يأتي ويذر أمراً ينافيها، ومن ضرورته أن يكون ركوبه لأمر مشروع كالحج وصلة الرحم وطلب العلم.
ونحو ذلك.
وأيضاً : إن الركوب
٣٥٥
موقع في الخطر والخوف من حيث أن راكب الدابة لا يأمن من عثارها أو شموسها مثلاً.
والهلاك بذلك.
وكذا راكب السفينة لا يأمن انكسارها وانقلابها وغرقها، فينبغي للراكب أن لا يغفل عن الله لحظة ويستعد للقائه، ويعلم أن الموت أقرب إليه من شراك نعله وإن كل نفس يتنفسه ؛ كأنه آخر الأنفاس.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩


الصفحة التالية
Icon