قال بعضهم : أجل نعمة الله على العباد أن يقويهم على نفوسهم الأمارة وينصرهم عليها، حتى يركبوا عليها ويميتوها بالمجاهدات حتى تستقيم في طاعة الله، وإذا استقامت وجب عليهم شكر النعمة، ومن لم يعرف نعم الله عليه إلا في مطعمه ومشربه ومركبه فقد صغر نعم الله عليه، ثم إن تسخير النفوس بعد استوائها في إطاعة الله يكون بتسخير الله لا بالكسب والمجاهدة.
ولذا قال سبحان الذي.
إلخ.
وإنما ذكر الانقلاب في الآخر ؛ لأن رجوع النفس إلى الله إنما هو بعد تسخيرها المذكور.
وقال بعضهم : وإنا إلى ربنا لمنقلبون كما جئنا أول مرة.
كما قال :﴿كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾ (الأنبياء : ١٠٤) ؛ أي : كما بدأ خلقنا بإشارة أمركن وإخراج أرواحنا من كتم العدم إلى عالم الملكوت بنفخته الخاصة ردنا إلى أسفل سافلين.
القالب : وهو عالم الملك، ثم بجذبة، ارجعي إلى ربك، أعادنا على مركب النفوس من عالم الملك إلى ساحل بحر الملكوت، ثم سخر لنا فلك القلوب وسيرنا في بحر الملكوت إلى عالم الربوبية.
روي عن ابن أبي ربيعة : أنه شهد علياً رضي الله عنه تعالى حين ركب، فلما وضع رجله في الركاب.
قال : باسم الله، فلما استوى قال : الحمد الله، ثم قال : سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم حمد ثلاثاً وكبر ثلاثاً، ثم قال : لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل له : ما يضحكك يا أمير المؤمنين؟.
قال : رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعل مثل ما فعلت، وقال مثل ما قلت.
ثم ضحك، فقلنا : مم ضحكت يا رسول الله، قال :"يعجب ربنا عز وجل من عبده إذا قال : لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ويقول : علم عبدي أن لا يغفر الذنوب غيري".
وفي "عين المعاني" : كان صلى الله تعالى عليه وسلم إذا ركب هلل وكبر ثلاثاً، ويقال : قبل هذا الحمد الله الذي حملنا في البر والبحر ورزقنا من الطيبات وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، ومنّ علينا بالإيمان والقرآن وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿سُبْحَـانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا﴾، الآية.
وفي "كشف الأسرار" : كان الحسن بن علي رضي الله عنهما يقولها.
ويروى عن الحسن رضي الله عنه أنه كان إذا ركب دابة، قال : الحمد الذي هدانا للإسلام، والحمدالذي أكرمنا بالقرآن، والحمد الله الذي منّ علينا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلّم والحمد الله الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين.
قال صلى الله تعالى عليه وسلم :"ما من أحد من أمتي استوى على ظهر دابة، فقال كما أمره الله إلا غفر له".
وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"إذا ركب العبد الدابة، فلم يذكر اسم الله عليها ردفه الشيطان وقال له : تغن فإن قال : لا أحسن الغناء، قال له : تمن، يعني : تكلم بالباطل، فلا يزال في أمنيته حتى ينزل".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
وروي : أن قوماً ركبوا في سفر، وقالوا :﴿سُبْحَـانَ الَّذِى﴾، الآية.
وفيهم رجل على ناقة رازمة، لا تتحرك هزالاً، فقال : أما أنا فمقرن مطيق لهذه فسقط عنها بوثبتها واندقت عنقه.
وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما : أنه كان إذا عثرت دابته.
قال : اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك، ولا إله إلا غيرك، ولا ملجأ، ولا منجا
٣٥٦
منك إلا إليك، ولا حول ولا قوة إلا بك هذا إذا ركب الدابة، وأما إذا ركب في السفينة، فيقول : باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم، وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون.
﴿وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ * وَجَعَلُوا لَه مِنْ عِبَادِه جُزْءًا إِنَّ الانسَـانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ * أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَـاكُم بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـانِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَن يُنَشَّؤُا فِى الْحِلْيَةِ﴾.
﴿وَجَعَلُوا لَه مِنْ عِبَادِه جُزْءًا﴾ الجاعلون هم : قبائل من العرب، قالوا : إن الله صاهر الجن فولدت له الملائكة.
وقال بعضهم : هو رد عل بني مليح حيث قالوا : الملائكة بنات الله.
ومليح بالحاء المهملة كزبير حي من خزاعة والجعل هنا بمعنى الحكم بالشيء، والاعتقاد جعلت زيداً أفضل الناس ؛ أي : حكمت به ووصفته.
والمراد بالعباد : الملائكة، وهو حال من جزء.
قال في "القاموس" : الجزء : البعض وأجزأت الأم ولدت الإناث، وجعلوا له من عباده جزءاً ؛ أي : إناثاً.
انتهى.


الصفحة التالية
Icon