ولذا قال الزجاج والمبرد والماوردي الجزء عند أهل العربية : البنات.
يقال : أجزأت المرأة إذا ولدت البنات.
ولذا قال الراغب : جزء الشيء ما تتقوم به جملته، وجعلوا له من عباد.
جزء قيل : ذلك عبارة عن الإناث من قولهم : أجزأت المرأة : أتت بأنثى.
وقال جار الله : ومن بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث وادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث، وما هو إلا كذب على العرب، ووضع مستحدث، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه أجزأت المرأة، ثم وضعوا بيتاً، وقالوا : إن أجزأت حمده يوماً، فلا عجب.
زوجتها من بنات الأوس مجزئة
انتهى.
يقول الفقير : لم يكن الجزء في الأصل بمعنى الإناث، وإنما ذكره أهل اللغة أخذاً من الآية ؛ لأنه فيها بمعنى الولد المفسر بالإناث، فذكره في اللغات لا ينافي حدوثه، وإنما عبرعن الولد بالجزء ؛ لأنه بعض أبيه وجزء منه كما قال عليه السلام :"إن فاطمة مني" ؛ أي : قطعة مني.
وقال :"فاطمة بضعة مني"، والبضعة بالفتح : القطعة من اللحم وإثبات الولد له تعالى مستلزم للتركيب المستلزم للإمكان المنافي للوجوب الذاتي، فالله تعالى يستحيل أن يكون له ولد هو جزء من والده ؛ لأنه واحد وحدة حقيقية، ومعنى الآية، واعتقد المشركون وحكموا وأثبتوا له تعالى ولداً حال كون ذلك الولد من الملائكة الذين هم عباده، فقالوا : الملائكة بنات الله بعد اعترافهم بألسنتهم واعتقادهم أن خالق السماوات والأرض هو الله، فكيف يكون له ولد.
والولادة من صفات الأجسام، وهو خالق الأجسام كلها.
ففيه تعجيب من جهلهم وتنبيه على قلة عقولهم حيث وصفوه بصفات المخلوقين، وإشارة إلى أن الولد لا يكون عبد أبيه، والملائكة عباد الله، فكيف تكون البنات عباداً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
وقيل : الجزء ها هنا بمعنى النصيب، كما في قوله تعالى :﴿لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾ () ؛ أي : نصيب، ومعنى الآية : معنى قوله :﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالانْعَـامِ نَصِيبًا﴾ ().
وذلك أنهم جعلوا البناتوالبنين لأنفسهم كم يجيء.
﴿إِنَّ الانسَـانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾ : ظاهر الكفر مبالغ فيه، أو مظهر لكفره، ولذلك يقولون ما يقولون، سبحانه عما يصفون :
بى زن وفرزند شد ذات احد
از ازل فردو صمد شدنا ابد
﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ : مفعول اتخذوا البنات.
بالفارسية :(دختران).
﴿وَأَصْفَـاكُم بِالْبَنِينَ﴾ :(وشمارا خالص كرد وبركز يدبه بسران) : أم منقطعة مقدرة ببل.
والهمزة على أنها للإنكار، والتوبيخ والتعجيب من شأنهم وتنكير بنات لتربية الحقارة كما أن تعريف البنين لتربية الفخامة، وقدم البنات لكون المنكر عليهم نسبتهن إلى الله، فكان ذكرهن أهم بالنظر إلى مقصود المقام، والالتفات إلى خطابهم لتأكيد الإلزام وتشديد التوبيخ والإصفاء : الإيثار.
وبالفارسية :(بر كزيدن يقال اصفيت فلاناً بكذا) ؛ أي : آثرته به.
والمعنى :
٣٥٧
بل اتخذ من خلقه البنات التي هي أخس الصنفين، واختار لكم البنين الذين هم أفضلهما على معنى هبوا أنكم اجتزأتم على إضافة جنس الولد إليه سبحانه وتعالى، مع ظهور استحالته وامتناعه أما كان لكم شيء من العقل، ونبذة من الحياء حتى اجترأتم على ادعاء أنه تعالى آثركم على نفسه بخير الصنفين وأعلاهما وترك لنفسه شرهما وأدناهما، فإن الإناث كانت أبغض الأولاد عندهم.
ولذا وأدوهن، ولو اتخذ لنفسه البنات وأعطى البنين لعباده لزم أن يكون حال العبد أكمل وأفضل من حال الله، ويدفعه بديهة العقل.
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـانِ مَثَلا﴾ : الالتفات للإيذان باقتضاء ذكر قبائحهم أن يعرض عنهم.
ويحكى لغيرهم تعجباً منها، وضرب هنا بمعنى : جعل المتعدي إلى مفعولين حذف الأول منهما لا بمعنى بين ومثلاً بمعنى شبيه لا بمعنى القصة العجيبة، كما في قولهم : ضرب له المثل بكذا، والمعنى : وإذا أخبر أحد المشركين بولادة ما جعله مثلاً له تعالى وشبيهاً إذ الولد لا بد أن يجانس الوالد ويماثله.
﴿ظَلَّ وَجْهُه مُسْوَدًّا﴾ : الظلول هنا بمعنى الصيرورة ؛ أي : صار أسود في الغاية من سوء ما بشر به، ولذا من رأى في المنام أن وجهه أسود ولدت له بنت، ويجوز أن يكون اسوداد الوجه عبارة عن الكراهة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ ؛ أي : والحال أنه مملوء من الكرب والكآبة، يقال : رجل كظيم ومكظوم ؛ أي : مكروب كما في "القاموس".
يقول الفقير : هذه صفة المشركين ؛ فإنهم جاهلون بالله غافلون عن خفي لطفه تحت جلي قهره، وأما الموحدون، فحالهم الاستبشار بما ورد عن الله أياً كان إذ لا يفرقون بين أحد من رسله، كما أن الكريم لا يغلق بابه على أحد من الضيفان والفاني عما سوى الله تعالى ليس له مطلب، وإنما مطلبه ما أراد الله :(كذشتم ازسر مطالب تمام شد مطلب نقاب جهره مقصود بود مطلبها).


الصفحة التالية
Icon