﴿أَوَمَن يُنَشَّؤُا فِى الْحِلْيَةِ﴾ : تكرير للإنكار.
والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه، ومن منصوب بمضمر معطوف على جعلوا.
والتنشئة : التربية.
وبالفارسية :(بروردن).
والحلية : ما يتحلى به الإنسان ويتزين.
وبالفارسية :(آرايش).
والجمع حلي بكسر الحاء وضمها وفتح اللام.
والمعنى : أو جعلوا من شأنه أن يربى في الزينة، وهو عاجز عن أن يتولى لأمره بنفسه.
يعني : البنات.
وقال سعدي المفتي : لعل القدير اجترؤوا على مثل هذه العظيمة وجعلوا.
وقال الكاشفي :(آيا كسى كه برورده كردد ببرايه يعني : بناز برورش يابد وا اورا قوت حرب ميدان داى نباشيد).
﴿وَهُوَ﴾ مع ما ذكر من المقصود.
﴿فِى الْخِصَامِ﴾ مع من يخاصمه ويجادله ؛ أي : في الجدال الذي لا يكاد يخلو الإنسان منه في العادة.
﴿غَيْرُ مُبِينٍ﴾ غير قادر على تقرير دعواه وإقامة حجته.
كما يقدر الرجل عليه لنقصان عقله وضعف رأيه، وربما يتكلم عليه، وهو يريد أن يتكلم له.
وهذا بحسب الغالب، وإلا فمن الإناث من هو أهل الفصاحة، والفاضلات على الرجال.
قال الأحنف : سمعت كلام أبي بكر رضي الله عنه حتى مضى، وكلام عمر رضي الله عنه حتى مضى، وكلام عثمان رضي الله عنه حتى مضى، وكلام علي رضي الله عنه حتى مضى.
لا والله ما رأيت أبلغ من عائشة رضي الله عنها.
وقال معاوية رضي الله عنه : ما رأيت أبلغ من عائشة ما أغلقت باباً، فأرادت فتحه إلا فتحته، ولا فتحت باباً فأرادت إغلاقه إلا غلقته.
ويدل عليه قوله عليه السلام في حقها "إنها ابنة أبي بكر" إشعاراً بحسن فهمها وفصاحة منطقها كما سبق.
قال الكاشفي :(عرب راشجاعت وفصاحت فخر بودى واغلب زنان ازين دو حليه عاطل مى باشد حق تعالى
٣٥٨
فرمود كه آيا كسى انجينين باشد خداى تعالى اورا بفرزندى ميكيرد).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
قال أهل التفسير : إضافة غير لا تمنع عمل ما بعده في الجار المتقدم ؛ لأنه بمعنى النفي ؛ كأنه قال : وهو لا يبين في الخصام ومثله مسألة الكتاب أنا زيداً غير ضارب.
قال في "كشف الأسرار" : في الآية تحليل لبس الذهب والحرير للنساء وذم لتزيين الرجال بزينة النساء.
وقال في "بحر العلوم" : وفي الآية دلالة بينة لكل ذي عقل سليم على ترك النشو في الزينة والنعومة والحذر عنه ؛ لأنه تعالى جعله من المعايب والمذام، ومن صفات الإناث ويعضده قول النبي عليه السلام لمعاذ "إياك والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بمتنعمين".
والتنعم : استعمال ما فيه النعومة واللين من المأكولات والملبوسات.
(غدا كر لطيفست وكر سرسرى.
جو ديرت بدست اوفتد خوش خورى).
ومن الكلمات الحكيمة : نم على أوطأ الفراش ؛ أي : وقت غلبة النوم، وكل ألذ الطعام ؛ أي : وقت غلبة الجوع والعجب كل العجب من علماء عصرك ومتفقهة زمانك يتلون هذه الآية ونحوها.
والأحاديث المطابقة لها في المعنى، ثم لا يتأملونها تأملاً صحيحاً، ولا يتبعون فيها نبيهم الكريم في ترك الزينة والتنعم.
(همجو طفلان منكر اندر شرخ وزرد.
جون زنان مغرور رنك وبومكرد).
وقال بعضهم :(خويشتن آراى مشوجون بهار.
تانبود برتو طمع روزكار).
وفيه إشارة إلى أن المرء المتزين كالمرأة، فالعاقل يكتفي بما يدفع الحر والبرد ويجتهد في تزيين الباطل، فإنه المنظر الإلهي، ولو كانت للنساء عقول راجحة لما ملن إلى التزين بالذهب والفضة والحلي والحلل، أما يكفي للمرء.
والمرأة مضمون ما قيل :
نشد عزيز تر از كعبه اين لباس برست
بجامة كه بسالى رسد قناعت كن
﴿أَوَمَن يُنَشَّؤُا فِى الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ * وَجَعَلُوا الملائكة الَّذِينَ هُمْ عِبَـادُ الرَّحْمَـانِ إِنَـاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَـادَتُهُمْ وَيُسْـاَلُونَ * وَقَالُوا لَوْ شَآءَ الرَّحْمَـانُ مَا عَبَدْنَـاهُما مَّا لَهُم بِذَالِكَ مِنْ عِلْمٍا إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ * أَمْ ءَاتَيْنَـاهُمْ كِتَـابًا مِّن قَبْلِه فَهُم بِه مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى﴾.
﴿وَجَعَلُوا الملائكة الَّذِينَ هُمْ عِبَـادُ الرَّحْمَـانِ إِنَـاثًا﴾ بيان لتضمن كفرهم المذكور لكفر آخر وتقريع لهم بذلك، وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله أنقصهم رأياً وأخسهم صنفاً.
يعني :(ملائكة كه مجاو أن صوامع وملازمان مجامع عبوديت اند دختران نام مى نهند).
والبنات لا تكن عباداً والولد لا يكون عبد أبيه، ففيه تكذيب لهم في قولهم الملائكة بنات الله.
﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ﴾ من الشهود بمعنى الحضور لا من الشهادة ؛ أي : أحضروا خلق الله تعالى إياهم فشاهدوهم إناثاً حتى يحكموا بأنوثتهم، فإن ذلك إنما يعلم بالمشاهدة، وهو تجهيل لهم وتهكم بهم، فإنهم إنما سمعوه من آبائهم، وهم أيضاً : كذابون جاهلون، وفيه تخطئة للمنجمين وأهل الحكمة المموهة في كثير من الأمور، فإنهم بعقولهم القاصرة حكموا على الغيب.


الصفحة التالية
Icon