قال بعضهم : إن الله تعالى ضمن لنا الدنيا وطلب منا الآخرة، فليته طلب منا الدنيا وضمن لنا الآخرة، فعلى العاقل الاقتفاء على آثار المهتدين وعمارة الآخرة كما عليه أرباب اليقين.
قال الصائب :
برنمى آيى بنعمتهاى الوان زينهار
تاتوان غم خورد فكر نعمت الوان مكن
كار عاقل نيست بند خويش محكم ساختن
عمر خودرا صرف در تعمير اين زندان مكن
﴿قَالَ﴾ ؛ أي : كل نذير من أولئك المنذرين لأممهم عند تعللهم بتقليد آبائهم.
﴿أَوَلَوْ جِئْتُكُم﴾ ؛ أي : أتفتدون بآبائكم، ولو جئتكم ﴿بِأَهْدَى﴾ ؛ أي : بدين أهدى وأرشد ﴿مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءَابَآءَكُمْ﴾ ؛ أي : من الضلالة التي ليست من الهداية في شيء، وإنما عبر عنها بذلك مجاراة معهم على مسلك الإنصاف.
﴿قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِه كَـافِرُونَ﴾ ؛ أي : قال : كل أمة لنذيرها إنا بما أرسلت به كافرون، وإن كان أهدى مما كنا فيه ؛ أي : ثابتون على دين آبائنا لا ننفك عنه، وقد أجمل عند الحكاية للإيجاز، كما في قوله تعالى : يا اأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَـاتِ} (المؤمنون : ٥١)، وفيه إقرار منهم بتصميمهم على تقليد آبائهم في الكفر والضلال، وإقناط للنذير من أن ينظروا ويتفكروا فيه :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
خلق را تقليد شان بربادداد
كه دوصد لعنت برين تقليد باد
كرجه عقلش سوى بالاميبرد
مرغ تقليدش به بستى مى برد
﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾ :(بس ما انتقام كشيديم از مقلدان معاند باستئصال ايشان).
إذ لم يبق لهم عذر أصلاً.
﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ من الأمم المذكورين، فلا تكترث بتكذيب قومك، فإن الله ينتقم منهم باسمه المنتقم القاهر القابض.
قال علي رضي الله عنه السعيد من وعظ بغيره.
يعني :(نيكبخت آن بودكه جون ديكرا برا بند دهند واذكار ناشايسته وكفتار نا بسنديده بازدارند اوازان بند عبرت كيرد).
روي عن الشعبي أنه قال : خرج أسد وذئب وثعلب يتصيدون، فاصطادوا حمار وحش وغزالاً وأرنباً فقال الأسد للذئب اقسم، فقال : حمار الوحش للملك والغزال لي والأرنب للثعلب، قال : فرفع الأسد يده وضرب رأس الذئب ضربة، فإذا هو منجدل بين يدي الأسد، ثم قال للثعلب اقسم هذه بيننا، فقال الحمار يتغدى به الملك والغزال يتعشى به والأرنب بين ذلك، فقال الأسد : ويحك ما أقضاك من علمك هذا القضاء، فقال : القضاء الذي نزل برأس الذئب، فالإنسان مع كونه أعقل الموجودات لا يعتبر.
وفي بعض الكتب سأل بعض الملوك بنته البكر عن ألذ الأشياء، فقالت : الخمر والجماع والولاية، فهم بقتلها، فقالت : والله ما ذقتها، ولكني أرى ما فيك من الخمار والصداع، ثم أراك تعاودها، وأرى ما تلاقي أمي من نصب الولادة والألم والإشراف على الموت، ثم أراها في فراشك إذا طهرت من نفاسها وأسمع ما يجري على عمالك
٣٦٢
عند انعزالهم من الضرب والحبس والمصادرة، ثم أراهم يطلبون الأعمال بأتم حرص، ولا يعتبرون بما جرى عليهم وعلى غيرهم، فعرفت أن هذه الثلاثة ألذ الأشياء فعفا الملك عنها.
قال الشيخ سعدي :
ندانستى كه بينى بند برباى
جودر كوشت نيايد بند مردم
دكرره كرندارى طاقت بيش
مكن انكشت در سوراخ كزدم
وجاء في الأمثال المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
وفيه إشارة إلى حال النفس الناسية القاسية، فإنها مع ما تذوق في الدنيا من وبال سيئاتها تعود إلى ما كانت عليه نسأل الله العصمة والتوفيق والعفو والعافية.
﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لابِيهِ وَقَوْمِه إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّه سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةَا بَاقِيَةً فِى عَقِبِه لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * بَلْ مَتَّعْتُ هَـاؤُلاءِ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّى جَآءَهُمُ الْحَقُّ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ﴾ ؛ أي : واذكر يا محمد لقومك قريش وقت قول إبراهيم عليه السلام بعد الخروج من النار ﴿لابِيهِ﴾ :(تارخ الشهير بآزر.
وكان ينحت الأصنام).
﴿وَقَوْمِهِ﴾ المكبين على التقليد وعبادة الأصنام كيف تبرأ مما هم فيه بقوله :﴿إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ وتمسك بالبرهان ليسلكوا مسلك الاستدلال، أو ليقتدوا به إن لم يكن لهم بد من التقليد، فإنه أشرف آبائهم وبراء بفتح الباء مصدر نعت به مبالغة، ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والمتعدد يقال : نحن البراء، أما البريء فهو يؤنث ويجمع يقال : بريء وبريئون وبريئة وبريئات.
والمعنى : بريء من عبادتكم لغير الله إن كانت مصدرية، أو من معبودكم إن كانت موصولة حذف عائدها.


الصفحة التالية
Icon