والمعنى : ولولا كراهة أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا، وتوهم أن ذلك الفضيلة في الكفار، فيجمعوا، ويكونوا في الكفر أمة واحدة.
﴿لَّجَعَلْنَا﴾ لحقارة الدنيا، وهو أنها عندنا.
﴿لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـانِ﴾ ؛ أي : لشر الخلائق وأدناهم منزلة، كما قال تعالى :﴿أَولَئكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ (البينة : ٦).
﴿لِبُيُوتِهِمْ﴾ بدل اشتمال من لمن، أو اللام بمعنى على وجمع الضمير باعتبار معنى من كما أن إفراد المستكن في يكفر باعتبار لفظها، والبيوت والأبيات جمع بيت، وهو اسم لمبنى مسقف مدخله من جانب واحد بني للبيتوتة.
قال الراغب : أصل البيت مأوى الإنسان بالليل، ثم قد يقال من غير اعتبار الليل فيه والبيوت بالمسكن أخص، والأبيات بالشعر، ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر ومن صوف ووبر وبه شبه بيت الشعر.
﴿سُقُفًا﴾ متخذة ﴿مِّن فِضَّةٍ﴾ جمع سقف، وهو سماء البيت، والفضة جسم ذائب صابر منطرق أبيض رزين بالقياس إلى باقي الأجساد.
وبالفارسية :(نقره).
سميت فضة لتفضضها وتفرقها في وجوه المصالح.
﴿وَمَعَارِجَ﴾ عطف على سقفاً جمع معرج بفتح الميم وكسرها، بمعنى السلم، وبالفارسية :(نردبان).
قال الراغب : العروج ذهاب في صعود، والمعارج المصاعد.
والمعنى : وجعلنا لهم مصاعد ومراقي من فضة حذف لدلالة الأول عليه.
﴿عَلَيْهَا﴾ ؛ أي : على المعارج.
﴿يَظْهَرُونَ﴾ يقال : ظهر عليه إذا علاه وارتقى إليه وأصل ظهر الشيء أن يحصل شيء على ظهر الأرض، فلا يخفى، ثم صار مستعملاً في كل بارز للبصر والبصيرة، والمعنى : يعلون السطوح والعلالي.
وبالفارسية :(ونردبانها كه بدان بريام آن خانها برايند وخودرا بنمايند).
﴿وَلِبُيُوتِهِمْ﴾ ؛ أي : وجعلنا لبيوتهم لعل تكرير ذكر بيوتهم لزيادة التقرير.
﴿أَبْوَابًا﴾ درها.
والباب : يقال لمدخل الشيء وأصل ذلك مداخل الأمكنة كباب المدينة والدار والبيت.
﴿وَسُرُرًا﴾ تحتها ؛ أي : من فضة جمع سرير.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
قال الراغب : السرير الذي يجلس عليه من السرور إذا كان ذلك لأولي النعمة وسرير الميت تشبيه به في الصورة، وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى الله وخلاصه من السجن المشار إليه بقوله عليه السلام :"الدنيا سجن المؤمن".
﴿عَلَيْهَا﴾ ؛ أي : على السرر.
﴿يَتَّكِـاُونَ﴾ :(تكيه كنند).
والاتكاء : الاعتماد.
﴿وَزُخْرُفًا﴾ هو في الأصل بمعنى الذهب، ويستعار لمعنى الزينة، كما قال تعالى :﴿حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الارْضُ زُخْرُفَهَا﴾ (يونس : ٢٤).
قال الراغب : الزخرف : الزينة المزوقة.
ومنه قيل : للذهب زخرف، كما قال تعالى :﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ﴾ (الإسراء : ٩٣) ؛ أي : ذهب مزوق.
قال في "تاج المصادر" : الزخرفة :(آراستن).
وزوق البيت زينه وصور فيه من الزئبق، ثم قيل : لكل منقش ومزين مزوق، وإن لم يكن فيه الزئبق.
والمعنى : وزينة عظيمة من كل شيء عطفاً على سقفاً، أو ذهباً عطفاً على محل من فضة، فيكون أصل الكلام سقفاً من فضة وزخرف
٣٦٧
، يعني بعض السقف من فضة، وبعضها من ذهب، ثم نصب عطفاً على محله.
وفي الحديث :"يقول الله تعالى : لولا أن يجزع عبدي المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حديد ولصببت عليه الدنيا صباً"، وإنما أراد بعصابة الحديد كناية عن صحة البدن، يعني لا يصدع رأسه.
وفي بعض الكتب الإلهية عن الله تعالى : لولا أن يحزن العبد المؤمن لكللت رأس الكافر بالأكاليل، فلا يصدع ولا بنبض منه عرق بوجع.
﴿وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَالِكَ لَمَّا مَتَـاعُ الْحَيَواةِ﴾ : إن نافية، ولما بالتشديد بمعنى إلا أي وما كان ذلك المذكور من البيوت الموصوفة بالصفات المفصلة إلا شيء يتمتع به في الحياة الدنيا لا دوام له، ولا حاصل إلا الندامة والغرامة.
وقرىء : بتخفيف لما على أن هي المخففة، واللام : هي الفارقة بينها وبين الناصبة، وما صلة.
والتقدير : أن الشأن كل ذلك لمتاع الحياة الدنيا.
﴿وَالاخِرَةُ﴾ بما فيها من فنون النعم التي يقصر عنها البيان.
﴿عِندَ رَبِّكَ﴾ يعني :(در حكم)، أو ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ ؛ أي : عن الكفر والمعاصي :
هركس كه رخ از متاع فانى برنافت
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
واندر طلب دولت باقى بشتافت
آنجا كه كمال همتش بود رسيد
وآنجيز كه مقصود دلتس بود بيافت
فإن قيل : قد بيّن الله تعالى أنه لو فتح على الكافر أبواب النعم لصار ذلك سبباً لاجتماع الناس على الكفر فلم لم يفعل ذلك بالمسلمين حتى يصير ذلك سبباً لاجتماع الناس على الإسلام فالجواب لأن الناس على هذا التقدير كانوا يجتمعون على الإسلام لطلب الدنيا، وهذا الإيمان إيمان المنافقين، فكان من الحكمة أن يضيق الأمر على المسلمين حتى أن كل من دخل في الإسلام، فإنما يدخل لمتابعة الدليل، ولطلب رضا الله، فحينئذٍ يعظم ثوابه بهذا السبب ؛ لأن ثواب المرء على حسب إخلاصه ونيته، وإن هجرته إلى ما هاجر إليه.


الصفحة التالية
Icon