حلف الملك أن لا يمسها الرجال، فأخرجها إلى صومعته وأسكنها معه لئلا يشعر أحد مكانها ولا يستخطبها.
قال : وكبرت الابنة، فحضر إبليس على صورة شيخ وخدعه بها حتى واقعها الزاهد وأحبلها، فلما ظهر بها الحبل رجع إليه، وقال له : إنك زاهدنا وأنها لو ولدت يظهر زناك، فتصير فضيحة، فاقتلها قبل الولادة، وأعلم والدها أنها قد ماتت، فيصدقك، فتنجو من العذاب والشين، فقتلها الزاهد، فجاء الشيطان إلى الملك في زي العلماء، فأخبره بصنع الزاهد بابنته من الإحبال والقتل.
وقال له : إن أردت أن تعرف حقيقة ما أخبرتك، فانبش قبرها وشق بطنها، فإن خرج منها ولد، فهو صدق مقالتي، وإن لم يخرج فاقتلني.
فعل ذلك الملك، فإذا الأمر كما قال، فأخذ الزاهد فأركبه جملاً وحمله إلى بلده، فصلبه، فجاء الشيطان، وهو مصلوب، فقال له : زنيت بأمري وقتلت بأمري فآمن بي أنجك من عذاب الملك، فأدركته الشقاوة فآمن به، فهرب الشيطان منه ووقف من بعيد، فقال الزاهد : نجني.
قال : إني أخاف الله رب العالمين، فالنفس والشيطان قرينان للإنسان يغويانه إلى أن يهلك :
دانسته ام كه دزد من اذخانة منست
وزيستى وبلندى ديوار فارغم
﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ﴾ ؛ أي : من فقد سمع القلوب.
﴿أَوْ تَهْدِى الْعُمْىَ﴾ من فقد البصائر جمع أصم وأعمى.
وبالفارسية :(آيا تو اى محمد سخن حق توانى شنوانيد آنانراكه كوش دل كرانت يا كورد لانرا طريق حق توانى نمود).
يشير إلى أن من سددنا بصيرته ولبسنا عليه رشده ومن صبينا في مسامع قلبه رصاص الشقاء والحرمان لا يمكنك يا محمد مع كمال نبوتك هدايته وإسماعه من غير عنايتنا السابقة، ورعايتنا اللاحقة.
كان عليه الصلاة والسلام يتعب نفسه في دعاء قومه، وهم لا يزيدون الأغيار إلا تعامياً عما يشاهدونه من شواهد النبوة وتصاماً عما يسمعونه من بينات القرآن، فنزلت.
وهو إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم بعد تمرنهم على الكفر، واستغراقهم في الضلال بحيث صار عشاهم عمى مقروناً بالصمم فنزل منزلة من يدعي أنه قادر على ذلك لإصراره على دعائهم.
قائلاً : أنا أسمع وأهدي على قصد تقوى الحكم لا التخصيص، فعجب تعالى منه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
قال ابن الشيخ : وما أحسن هذا الترتيب.
فإن الإنسان لاشتغاله بطلب الدنيا والميل إلى الحظوظ الجسمانية يكون كمن بعينه رمد ضعيف، ثم إنه كلما ازداد اشتداده بها، واشتد إعراضه عن النعيم الروحاني ازداد رمده، فينتقل من أن يكون أعشى إلى أن يكون أعمى.
﴿وَمَن كَانَ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ﴾ لا يخفى على أحد ؛ أي : ومن كان في علم الله أنه يموت على الضلالة.
وبالفارسية :(وانراكه هست در كمراهى هويدا يعنى تو قادر نوستى برهدايت كمراهان بس بسيار تعب بر نفس خود منه).
وهو عطف على العمى باعتبار تغاير الوصفين ومدار الإنكار هو التمكن والاستقرار في الضلال المفرط بحيث لا ارعواء لهم عنه لا توهم القصور من قبل الهادي، ففيه رمز إلى أنه لا يقدر على ذلك إلا الله وحده بالقسر والإلجاء، يعني لا يقدر على إسماع الصم وهداية العمي، وجعل الكافر مؤمناً إلا الله وحده لعظم قدرته وإحاطة تعلقها بكل مقدور (ع) :(آن به كه كار خود بعنايت رها كنيم).
﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ : أصله إن ما على أن إنْ للشرط وما : مزيدة للتأكيد بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكدة ؛ أي : فإن قبضناك وأمتناك قبل أن نبصرك عذابهم، ونشفي بذلك صدرك وصدر المؤمنين.
وبالفارسية :(بش اكر ما ببريم ترابا جوار
٣٧١
رحمت خود بيش ازانكه عذاب ايشان بتو بنمايم دل خوش دار).
﴿فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ لا محالة في الدنيا والآخرة :
مكن شادمانى بمرك كسى
كه دهرت نماند بس ازوى بسى
قال ابن عطاء : أنتت أمان فيما بينهم، فإن قبضناك انتقمنا منهم، فليغتنم العقلاء وجود الصلحاء، وليجتنبوا من معاداتهم، فإن في ذلك الهلاك.
قال يحيى بن معاذ رحمة الله عليه : على عباده حجتان : حجة ظاهرة : هي الرسول.
وحجة باطنة : هي العقول.
﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِى وَعَدْنَـاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَا إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّه لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَا وَسَوْفَ تُسْـاَلُونَ﴾.
﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِى وَعَدْنَـاهُمْ﴾ أو إن أردنا أن نريك العذاب الذي وعدناهم.
﴿فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ﴾ : لا يفوتوننا لأنهم تحت قهرنا وقدرتنا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩


الصفحة التالية
Icon