وفي الآية تسلية للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، بأنه تعالى ينتقم من أعدائه ومنكريه.
إما في حال حياته، وإما بعد وفاته، وأنه قادر على انتقامهم بواسطته، كما كان يوم بدر، أو بغير واسطة، كما كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه وغيره.
فبذلك أثبته على حد الخوف والرجاء، ووقفه على حد التجويز لاستبداده بعلم الغيب.
وكذلك المقصود في الأمر من كل أحد أن يكون من جملة نظارة التقدير، ويفعل الله ما يريد.
قال المولى الجامي :
اى دل تاكى فضولى وبو العجبى
از من نشان عاقبت مى طلبي
سر كشته بود خواه ولى خواه نبى
دروادى ما أدري ما يفعل بى
وفي الحديث :"إذا أراد الله بأمة خيراً قبض الله نبيها قبلها، فجعله لها فرطاً وسلفاً، وإذا أراد الله بأمة عذاباً ونبيها حي لتقر عينه لما كذبوه وعصوه".
قالوا : كل نبي قد رأى النقمة في أمته غير نبينا عليه السلام، فإن الله أكرمه، فلم ير في أمته إلا الذي تقر به عينه، وأبقى النقمة بعده، وهي البلايا الشديدة.
روي : أنه عليه السلام "أري ما يصيب أمته بعده، فما رؤي مستبشراً ضاحكاً حتى قبض".
وفي الحديث :"حياتي خير لكم ومماتي خير لكم" قالوا : هذا خيرنا في حياتك فما خيرنا في مماتك؟ فقال :"تعرض علي أعمالكم كل عشية الإثنين والخميس، فما كان من خير حمدت الله تعالى، وما كان من شر أستغفر الله لكم، ولذلك استحب صوم يوم الاثنين والخميس.
وقد قال عليه السلام :"تفتح أبواب الجنة كل إثنين وخميس".
يعني :(مفتوح مى شود ابواب جنت درهر دوشنبه ونبحبشنبه).
يعني : لشرفهما لكون يوم الإثنين يوم ولادة النبي عليه السلام، ويوم الخميس يوم عرض الأعمال الله سبحانه وتعالى.
واعلم أن كل أحد يشرب من كأس الموت يقال : أوحى الله تعالى إلى نبينا عليه السلام، فقال : يا محمد أحبب من شئت، فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه غداً وعش ما شئت فإنك ميت :
منه دل برين سال خورده مكان
كه كنبد نيابد بروكر دكان
وكر بهلوانى وكر تيغ زن
نخواهى بدر بردن الا كفن
فرو رفت جم را يكى نازنين
كفن كرد جون كرمش ابريشمين
بدحمه در آمد بس از جند روز
كه بروى بكربد بزارى وسوز
جو بوسيده ديدش حرير كفن
بفكرت جنين كفت باخويشتن
من از كرم بركنده بودم بزور
بكندند ازو باز كرمان كور
﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ﴾ ؛ أي : أمسك بالقرآن الذي أنزل عليك بمراعاة أحكامه سواء عجلنا لك المعهود، أو أخرناه إلى يوم الآخرة.
﴿إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ ؛ أي : طريق سوى لا عوج له، وهو طريق التوحيد ودين الإسلام.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
وفي "التأويلات النجمية" : فاعتصم بالقرآن، فإنه حبل الله المتين بأن تتخلق بخلقه وتدور معه حيث يدور وقف حيث ما أمرت وثق، فإنك على صراط مستقيم تصل به إلى حضرة جلالنا.
﴿وَإِنَّهُ﴾ ؛ أي : القرآن الذي أوحى إليك.
﴿لَذِكْرٌ﴾
٣٧٢
لشرف عظيم.
﴿لَكَ﴾ خصوصاً ﴿وَلِقَوْمِكَ﴾، وأمتك عموماً، كما قال عليه السلام : إن لكل شيء شرفاً يباهي به وإن بها أمتي وشرفها : القرآن.
فالمراد بالقوم : الأمة.
كما قال مجاهد، وقال بعضهم : ولقوتك من قريش حيث يقال : إن هذا الكتاب العظيم إنزال الله على رجل من هؤلاء.
قال في "الكواشي" : أولاهم بذلك الشرف الأقرب، فالأقرب منه عليه السلام كقريش، ثم بنى هاشم وبني المطلب.
قال ابن عطاء : شرف لك بانتسابك إلينا وشرف لقومك بانتسابهم إليك ؛ أي : لأن الانتساب إلى العظيم الشريف عظيم شرف، ثم جمع الله النبي مع قومه، فقال :﴿وَسَوْفَ تُسْـاَلُونَ﴾ يوم القيامة عنه، وعن قيامكم بحقوقه وعن تعظيمكم وشكركم على أن رزقتموه وخصصتم به من بين العالمين.
وفي "التأويلات النجمية" : وأن القرآن به شرف الوصول لك ولمتابعيك، وسوف تسألون عن هذا الشرف والكرامة، هل أديتم حقه وقمتم بأداء شكره ساعين في طلب الوصول والوصال، أم ضيعتم حقه وجعلتموه وسيلة الاستنزال إلى الدرك بصرفه في تحصيل المنافع الدنيوية، والمطالب النفسانية.
انتهى.
قال بعضهم : علوم العارفين مبنية على الكشف والعيان، وعلوم غيرهم من الخواطر الفكرية والأذهان، وبداية طريقهم التقوى والعمل الصالح، وبداية طريق غيرهم مطالعة الكتب والاستعداد من المخلوقين في حصول المصالح، ونهاية علومهم الوصول إلى شهود حضرة الحي القيوم، ونهاية علوم غيرهم تحصيل الوظائف، والمناصب وجمع الحطام الذي لا يدوم :
زيان ميكند مرد تفسير دان
كه علم وادب مى فروشد بنان
كجا عقل باشرع فتوى دهد
كه اهل خرد دين بدنيا دهد


الصفحة التالية
Icon