فكما أن العالم الغير العامل والجاهل الغير العامل سواء في كونهما مطروحين عن باب الله تعالى.
وكذا العارف الغير العامل والغافل الغير العامل سواء في كونهما مردودين على باب الله تعالى ؛ لأن مجرد العلم والمعرفة ليس سبب القبول والقدر ما لم يقارن العمل بالكتاب والسنة، بل كون مجرد هما سبب الفلاح، مذهب الحكماء الغير الإسلامية، فلا بد معهما من العمل حتى يكونا سبباً للنجاة، كما هو مذهب أهل السنة والحكماء الإسلامية.
والإنسان إما حيواني، وهم الذين غلبت عليهم أوصاف الطبيعة وأحوال الشهوة من الأكل والشرب والمنام ونحوها، وإما شيطاني.
وهم الذين غلبت عليهم أوصاف النفس وأحوال الشيطنة كالكبر والعجب والحسد وغيرها، وإما ملكي وهم الذين غلبت عليهم أوصاف الروح، وأحوال الملكية في العلم والعمل والذكر والتسبيح ونحوها، فمن تمسك بالقرآن، وعمل بما فيه علمه الله ما لم يعلم، وجعله من أهل الكشف والعيان.
فيكون من الذين يتلون آيات الله في الآفاق والأنفس ويكاشفون عن حقائق القرآن، فهذا الشرف العظيم لهذه الأمة ؛ لأنه ليس لغيرهم : هذا القرآن.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : قال موسى : يا رب هل في الأمم أكرم عليك ممن ظللت عليهم الغمام، وأنزلت عليهم المن والسلوى.
قال : يا موسى إن فضل أمة محمد على الأمم، كفضلي على خلقي، فقال موسى : إلهي اجعلني من أمة محمد.
قال : يا موسى لن تدركهم، ولكن أتشتهي أن تسمع كلامهم.
قال : نعم يا رب فنادى : يا أمة محمد، فقالوا : لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك، والخير كله بيديك، فجعل الله تلك الإجابة من شعائر الحج، ثم قال : يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي، قد غفرت لكم قبل أن تعصوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني، فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله
٣٧٣
إلا الله وأن محمداً رسول الله، أسكنته الجنة، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر، وعدد القطر، وعدد النجوم وعدد أيام الدنيا.
وفي التوراة في حق هذه الأمة : أناجيلهم في صدورهم ؛ أي : يحفظون كتابهم.
وفي المثنوي :
تو زقرآن اى بسر ظاهر مبين
ديو آدم رانه بيند جز كه طين
ظاهر قرآن جو شخص آدميست
كه نقوشش ظاهر وجانش خفيست
﴿وَإِنَّه لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَا وَسَوْفَ تُسْـاَلُونَ * وَسْـاَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَـانِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بآياتنا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلاياهِ فَقَالَ إِنِّى رَسُولُ رَبِّ الْعَـالَمِينَ * فَلَمَّا جَآءَهُم بآياتنا إِذَا هُم مِّنْهَا﴾.
﴿وَسْـاَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ﴾.
قوله : من أرسلنا في محل النصب على أنه مفعول اسأل، وهو على حذف المضاف لاستحالة السؤال من الرسل حقيقة.
والمعنى : واسأل أممهم وعلماء دينهم، كقوله تعالى :﴿فَسْـاَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَـابَ مِن قَبْلِكَ﴾ (يونس : ٩٤)، وفائدة هذا المجاز التنبيه على أن المسؤول عنه عين ما نطقت به ألسنة الرسل لا ما يقوله أممهم وعلماؤهم من تلقاء أنفسهم.
﴿أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَـانِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ ؛ أي : هل حكمنا بعبادة الأوثان، وهل جاءت في ملة من مللهم.
والمراد به : الاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد والتنبيه على أنه ليس ببدع ابتدعه حتى يكذب، ويعادى له، فإنه أقوى ما حملهم على التكذيب والمخالفة.
قال ابن الشيخ : السؤال يكون لرفع الالتباس، ولم يكن رسول الله يشك في ذلك، وإنما الخطاب له.
والمراد غيره.
قالت عائشة رضي الله عنها : لما نزلت هذه الآية، قال عليه السلام :"ما أنا بالذي أشك، وما أنا بالذي أسأل".
وجعل الزمخشري السؤال في الآية مجازاً عن النظر في أديانهم، والفحص عن مللهم على أنه نظير قولهم : سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك، وللآية وجه آخر بحملها على ظاهرها من غير تقدير مضاف، وهو ما روي أنه عليه السلام : لما أسري به إلى المسجد الأقصى حشر إليه الأنبياء والمرسلون من قبورهم، ومثلوا له فأذن جبرائيل، ثم أقام وقال : يا محمد تقدم فصل بإخوانك الأنبياء والمرسلين، فلما فرغ من الصلاة.
قال له جبرائيل : زعمت قريش أنشريكاً، وزعمت اليهود والنصارى أنولداً، سل يا محمد هؤلاء النبيين، هل كانشريك، ثم قرأ : واسأل من أرسلنا.
إلخ.
فقال عليه السلام :"لا أسأل ولقد اكتفيت ولست بشاك فيه"، فلم يشك فيه، ولم يسأل، وكان أثبت يقيناً من ذلك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
قال أبو القاسم :"المفسر في كتاب التنزيل" له : أن هذه الآية أنزلت على النبي عليه السلام ببيت المقدس ليلة المعراج، فلما أنزلت وسمعها الأنبياء عليهم السلام أقرواتعالى بالوحدانية.
وقالوا : بعثنا بالتوحيد.


الصفحة التالية
Icon