﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ﴾ : مع هذا الملك والبسط، وأم منقطعة بمعنى : بل أنا خير، والهمزة للتقرير لحملهم على الإقرار ؛ كأنه قال : إثر ما عدد أسباب فضله ومبادي خيريته أثبت عندكم واستقر لديكم : أني أنا خير، وهذه حال من هذه.
إلخ.
وقال أبو الليث : يعني أنا خير وأم للصلة والمحققون على أن أم ها هنا بمعنى : بل التي تكون للانتقال من كلام إلى كلام آخر من غير اعتبار استفهام، كما في قوله تعالى في سورة النمل، ﴿إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (النمل : ٨٤).
وقال سعدي المفتي : ويجوز أن يكون النظم من الاحتباك : ذكر الأبصار أولاً دلالة على حذف مثله ثانياً : والخيرية ثانياً دلالة على حذف مثله أولاً.
والمعنى : أهو خير مني فلا تبصرون ما ذكرتكم به، أم أنا خير منه ؛ لأنكم تبصرونه.
﴿مِّنْ هَـاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ﴾ : ضعيف حقير من المهانة، وهي القلة.
﴿وَلا يَكَادُ يُبِينُ﴾ : الكلام ويوضحه لرتة في لسانه، فكيف يصلح للنبوة والرسالة يريد أنه ليس معه من آيات الملك والسياسة ما يعتضده، ويتقوى به.
كما : قريش قالت :﴿لَوْلا نُزِّلَ هَـاذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (الزخرف : ٣١)، وهو في نفسه حال عم يوصف به الرجال من الفصاحة والبلاغة، وكان الأنبياء كلهم فصحاء بلغاء.
قاله : افتراء على موسى وتنقيصاً له في أعين الناس باعتبار ما كان في لسانه من نوع رثة حدثت بسبب الجمرة.
وقد كانت ذهبت عنه لقوله تعالى :﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسَى﴾ (طه : ٣٦).
والرتة : غير اللثغة، وهي حبسه في اللسان تمنعه من الجريان وسلاسة التكلم.
يقول الفقير : الأنبياء عليهم السلام سالمون من العيوب والعاهات المنفرة، كما ثبت في محله.
وقد كان للشيخ عبد المؤمن المدفون في بروسة عقدة في لسانه، وعند ما ينقل الأحياء في الجامع الكبير تنحل بإذن الله تعالى، فإذا كان حال الولي، هكذا، فكيف حال الموفر حظاً من كل كمال كموسى، وغيره من الأنبياء عليهم السلام حين أداء الوحي الإلهي.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
وقد جربنا عامة من كان ألثغ، أو نحوه، فوجدناهم منطيقين عند تلاوة القرآن، وهو من آثار
٣٧٨
رحمة الله وحكمه البديعة.
وفي "التأويلات النجمية" تشير الآية إلى من تعزز بشيء من دون الله، فحتفه وهلاكه في ذلك، فلما تعزز فرعون بملك مصر وجرى النيل بأمره، فكان فيه هلاكه، وكذلك من استصغر أحداً سلط عليه كما أن فرعون استصغر موسى عليه السلام، وحديثه وعابه بالفقر واللكنة.
فقال : أم أنا خير فسلطه الله عليه، وكان هلاكه على يديه.
وفيه إشارة أخرى، وهي أن قوله : أم أنا خير من خصوصية صفة إبليس، فكانت هذه الصفة توجد في فرعون.
وكان من صفة فرعون قوله :﴿أَنَا رَبُّكُمُ الاعْلَى﴾ (النازعات : ٢٤)، ولم توجد هذه الصفة في إبليس ليعلم أن الله تعالى أكرم الإنسان باستعداد يختص به، وهو قوله :﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (التين : ٤)، فإذا فسد استعداده استنزل دركة لا يبلغه فيها إبليس وغيره.
وهي أسفل السافلين، فيكون شر البرية، ولو استكمل استعداده لنال رتبة في القربة لا يسعه فيها ملك مقرب، لكان خير البرية.
قال الصائب :
سرورى از خلق بد خودرا مصفى كردنست
برنمى آيى بخود سر برنمى بايد شدن
بادشاه از كشور بيكانه دارد صد خطر
يك قدم ازحد خود بر ترنمى بايد شدن
فإذا عرفت حال إبليس وحال فرعون، فاجتهد في إصلاح النفس وتزكيتها عن الأوصاف الرذيلة التي بها صار الشيطان شيطاناً وفرعون فرعوناً نسأل الله سبحانه أن يدركنا بعنايته ويتداركنا بهدايته قبل القدوم على حضرته.
﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَـاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَه فَأَطَاعُوه إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَـاسِقِينَ * فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَـاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾.
﴿فَلَوْلا أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ﴾.
قالوه توبيخاً ولو ما على ترك الفعل ما هو مقتضى حرف التحضيض الداخل على الماضي وأسورة جمع سوار على تعويض التاء من ياء أسارير، يعني : الياء المقابلة لألف أسوار، ونظيره زنادقة وبطارقة.
فالهاء فيهما عوض عن ياء زناديق وبطاريق المقابلة.
اليناء زنديق وبطريق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
قال في "القاموس" : السوار بالكسر والضم.
القلب : كالأسوار بالضم والجمع أسورة وأساور وأساورة.
وفي "المفردات" : سوار المرأة أصله دستواره، فهو فارسي معرب عند البعض، والذهب جسم ذائب صاف منطرق أصفر رزين بالقياس إلى سائر الأجسام.


الصفحة التالية
Icon