﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا﴾ (البقرة : ٢٦).
وقال بعض أهل المعاني : كانوا يسألون عن أشياء لا فائدة فيها.
فقال : ولأبين لكم.
إلخ.
يعني : أجيبكم عن الأسئلة التي لكم فيها فوائد.
وفي الآية إشارة إلى أن الأنبياء، كما يجيئون بالكتاب من عند الله يجيئون بالحكمة مما آتاهم، كما قال، ويعلمهم الكتاب والحكمة.
ولذا قال : ولأبين لكم.
إلخ.
لأن البيان عما يختلفون فيه هو الحكمة.
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في مخالفتي.
﴿وَأَطِيعُونِ﴾ فيما أبلغه عنه تعالى، فإن طاعتي طاعة الحق، كما قال : من يطع الرسول فقد أطاع الله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ﴾، فخصوه بالعبادة والتوحيد، وهو بيان لما أمرهم بالطاعة فيه، وهو اعتقاد التوحيد والتعبد بالشرائع.
﴿هَـاذَا﴾ ؛ أي : التوحيد والتعبد بالشرائع ﴿صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ لا يضل سالكه.
وفي "التأويلات النجمية" : فاعبدوه ؛ أي : لا تعبدوني، فإني في العبودية شريك معكم، وأنه متفرد بربوبيته إيانا هذا صراط مستقيم أن تعبده جميعاً.
﴿فَاخْتَلَفَ الاحْزَابُ﴾ جمع حزب بالكسر بمعنى جماعة الناس ؛ أي : فاختلف الفرق المتحزبة.
والتحزب :(كروه كروه شدن).
يقال : حزب قومه، فتحزبوا ؛ أي : جعلهم فرقاً وطوائف، فكانوا كذلك.
والمراد اختلافهم بعد عيسى عليه السلام بثلاث مائة سنة لا في حياته، لأنهم أحدثوا بعد رفعه.
﴿مِنا بَيْنِهِمْ﴾ ؛ أي : من بين من بعث إليهم من اليهود والنصارى يعني : تحزب اليهود والنصارى في أمر عيسى عليه السلام، فقالت اليهود لعنهم الله : زنت أمه، فهو ولد الزنا.
وقال بعض النصارى : عيسى هو الله وبعضهم : ابن الله وبعضهم : الله وعيسى وأمه آلهة، وهو ثالث ثلاثة
وفي "التأويلات النجمية" يعني : قومه تحزبوا عليه حزب آمنوا به أنه عبد الله ورسوله وحزب آمنوا به، أنه ثالث ثلاثة، فعبدوه بالألوهية، وحزب اتخذوه ولداًوابناً له تعالى الله عما يقول الظالمون.
وحزب كفروا به وجحدوا نبوته وظلموا عليه وأرادوا قتله، فقال الله تعالى في حق الظالمين المشركين.
﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ من المختلفين، وأقام المظهر مقام المضمر تسجيلاً عليهم بالظلم.
﴿مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ هو يوم القيامة.
والمراد : يوم أليم العذاب، كقوله في يوم عاصف ؛ أي : عاصف الريح.
﴿فَاخْتَلَفَ الاحْزَابُ مِنا بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * الاخِلاءُ يَوْمَـاـاِذا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ﴾.
﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ ؛ أي : ما ينتظر الناس.
﴿إِلا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم﴾ ؛ أي : إلا إتيان الساعة، فهو بدل من الساعة، ولما كانت الساعة تأتيهم لا محالة كانوا كأنهم ينتظرونها.
﴿بَغْتَةً﴾ انتصابها على المصدر ؛ أي : إتيان بغتة.
وبالفارسية :(ناكاه).
والبغت : مفاجأة الشيء من حيث لا يحتسب، كما في "المفردات".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
قال في "الإرشاد" : فجأة لكن لا عند كونهم مترقبين لها، بل غافلين عنها مشتغلين بأمور الدنيا منكرين لها.
وذلك قوله تعالى :﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ بإتيانها، فيجازي كل الناس على حسب أعمالهم، فلا تؤدي بغتة مؤدى قوله : وهم لا يشعرون حتى لا يستغنى بها عنه ؛ لأنها ربما يكون إتيان الشيء بغتة مع الشعور بوقوعه والاستعداد له ؛ لأنه إذا لم يعرف وقت مجيئه.
ففي أي وقت جاء أتى بغتة، وربما يجيء والشخص غافل عنه منكر له.
والمراد هنا هو الثاني، فلذا وجب تقييد إتيان الساعة بمضمون الجملة الحالية، فعلى العاقل الخروج عن كل ذنب.
والتوبة لكل جريمة قبل أن يأتي يوم أليم عذابه، وهو يوم الموت، فإن ملائكة العذاب ينزلون فيه على الظالمين، ويشددون عليهم حتى تخرج أرواحهم الخبيثة بأشد العذاب.
وفي الحديث :"ما من مؤمن إلا وله كل يوم صحيفة جديدة، فإذا طويت وليس فيها استغفار طويت وهي سوداء مظلمة، وإذا طويت وفيها استغفار، طويت ولها نور يتلألأ"، ومن
٣٨٦
كلمة الاستغفار يخلق الله تعالى ملائكة الرحمة فيسترحمون له ويستغفرون".


الصفحة التالية
Icon