واعلم أن القيامة ثلاث : الكبرى، وهو حشر الأجساد والسوق إلى المحشر للجزاء.
والقيامة الصغرى : وهي موت كل أحد كما قال عليه السلام :"من مات فقد قامت قيامته".
ولذا جعل القبر روضة من رياض الجنان أو حفرة من حفر النيران والقيامة الوسطى.
وهي موت جميع الخلائق.
وقيام هذه الوسطى لا يعلم وقته يقيناً، وإنما يعلم بالعلامات المنقولة عن الرسول عليه السلام مثل أن يرفع العلم ويكثر الجهل والزنا وشرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، وعن علي رضي الله عنه :"يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من الدين إلا رسمه، ولا من القرآن إلا درسه.
يعمرون مساجدهم، وهي خراب عن ذكر الله شر أهل ذلك الزمان علماؤهم منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود".
قال الشيخ سعدي :
كرهمه علم عالمت باشد
بى عمل مدعى وكذابى
وقال :(عالم نابر هيز كار كوريست مشعله دار).
يعني : يهدي به ولا يهتدي، فنعوذ بالله من علم بلا عمل.
﴿الاخِلاءُ﴾ جمع خليل.
بالفارسية :(دوست).
والخلة : المودة ؛ لأنها تتخلل النفس ؛ أي : تتوسطها ؛ أي : المتحابون في الدنيا على الإطلاق، أو في الأمور الدنيوية.
﴿يَوْمَـاـاِذ﴾ يوم إذ تأتيهم الساعة، وهو ظرف لقوله عدو الفصل بالمبتدأ غير مانع والتنوين فيه عوض عن المضاف إليه.
﴿بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ لانقطاع ما بينهم من علائق الخلة والتحاب لظهور كونها أسباباً بالعذاب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿إِلا الْمُتَّقِينَ﴾ : فإن خلتهم في الدنيا لما كانت في الله تبقى على حالها، بل تزداد بمشاهدة كل منهم آثار الخلة من الثواب ورفع الدرجات، والاستثناء على الأول متصل، وعلى الثاني منقطع.
قال الكاشفي :(كافران كه دوستى ايشان براى معاونت بوده بر كفر معصيت باهمه دشمن شوند كه ويلعن بعضهم بعضاً ومؤمنان كه محبت ايشان براى خداى تعالى بوده دوستى ايشان مجانا باشد تا يكديكررا شفاعت كنند ودر تأويلات كاشفي مذكور است كه خلت جهار نوع مى باشد خلت تامة حقيقيه كه محبت روحانية است وآن مستند بود به تناسب أرواح وتعارف آن جون محبت انبيا واوليا واصفيا وشهدا بايكديكر دوم محبت قلبيه واستناد اين به تناسب اوصاف كامله واخلاق فاضله است جون محبت صلحا وابرار باهم ودوستى امم با نبيا وارادت مريدان بمشايخ واين دو نوع از محبت خلل نذير نيست نه در دنيا نه در آخرت ومثمر فوائد نتائج صورى ومعنويست سوم محبت عقليه كه مستند است بتحصيل اسباب معاش وتيسير مصالح دنيويه جون محبت تجار وصناع ودوستى خدام با مخاديم وارباب حاجات باغنياجهارم محبت نفسانيه واستناد آن بلذات حسيه ومشتهيات نفسيه بس در قيامت كه اسباب اين دو نوع از محبت قانى وزائل باشد آن محبت نيز زوال بذيرد بلكه جون متمنى وجود نكيرد وغرض وغايت بحصول نه بيوندد آن دوستى به دشمنى مبدل شود.
دوستى كان غرض آميزشد.
دوستى دشمنى انكيز شد.
مهر كه از هر غرضى كشت باك.
راست جو خورشيد شود تابناك).
وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى أن كل خلة وصداقة تكون في الدنيا مبنية على الهوى والطبيعة الإنسانية تكون في الآخرة عداوة يتبرأ بعضهم من بعض.
والإخلاء في الله خلتهم باقية إلى الأبد وينتفع بعضهم من بعض،
٣٨٧
ويشفع بعضهم من بعض، ويتكلم بعضهم في شأن بعض، وهم المتقون الذين استثناهم وشرائط الخلة في الله أن يكونوا متحابين في الله محبة خالصة لوجه الله من غير شوب بعلة دنيوية هوائية متعاونين في طلب الله، ولا يجري بينهم مداهنة، فبقدر ما يرى بعضهم في بعض من صدق الطلب والجد والاجتهاد يساعده ويوافقه ويعاونه، فإذا علم منه شيئاً لا يرضاه الله تعالى لا يرضاه من صاحبه، ولا يداريه فقد قيل : المداراة في الطريقة كفر بل ينصحه بالرفق والموعظة الحسنة، فإذا عاد إلى ما كان عليه وترك ما تجدد لديه يعود إلي صدق مودته وحسن صحبته.
كما قال الله تعالى :﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ (الإسراء : ٨) :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
هنوزت از سر صلحست بازآى
كزان محبوبتر باشى كه بودى
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذه الآية : كان خليلان مؤمنان وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين، فقال : يا رب إن فلاناً كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ويخبرني أني ملاقيك يا رب، فلا تضله بعدي، واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني، فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما ؛ أي : بين أرواحهما، فيقول كل واحد منهما لصاحبه.
نعم الأخ ونعم الصاحب، فيثني عليه خيراً.
قال : ويموت أحد الكافرين، فيقول : يا رب إن فلاناً كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشر، وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك، فلا تهده بعدي وأضلله كما أضللتني وأهنه كما أهنتني، فإذا مات خليله الكافر جمع بينهما، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : بئس الأخ وبئس الخليل، فيثني عليه شراً.


الصفحة التالية
Icon