وفي الحديث :"إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلى ظلي".
وفي رواية أخرى :"المتحابون فيَّ أي : في الله بجلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء".
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أحبوأبغضووالوعاد، فإنه إنما ينال ما عند الله بهذا، ولن ينفع أحداً كثرة صومه وصلاته وحجه حتى يكون هكذا.
وقد صار الناس اليوم يحبون ويبغضون للدنيا، ولن ينفع ذلك أهله، ثم قرأ الآية، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد قدومه إلى المدينة.
وقال : كونوا في الله إخواناً" ؛ أي : لا في طريق الدنيا والنفس والشيطان.
وقال الصديق رضي الله عنه من ذاق خالص محبة الله منعه ذلك من طلب الدنيا وأوحشه ذلك من جميع البشر.
(اكر كسى را دوست دارد از مخلوقات از آنست كه وى بحق تعالى تعلقى دارد يا ازروى دوستى باحق مناسبتى دارد) :()
وما عمدى بحب تراب أرض
ولكن ما يحل به الحبيب
قال عبيد بن عمر : كان لرجل ثلاثة أخلاء بعضهم أخص به من بعض، فنزلت به نازلة فلقي أخص الثلاثة، فقال : يا فلان إنه قد نزل بي كذا وكذا، وإني أحب أن تعينني.
قال له : ما أنا بالذي أعينك وأنفعك، فانطلق إلى الذي يليه، فقال له : أنا معك حتى إذا بلغت المكان الذي تريده رجعت وتركتك، فانطلق إلى الثالث، فقال له : أنا معك حيث ما كنت ودخلت.
قال : فالأول : ماله، والثاني : أهله وعشيرته.
والثالث : عمله :
بشهر قيامت مرو تنكدست
كه وجهى ندارد بحسرت نشست
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
كرت جشم وعقلست تدبير كور
كنون كن كه جشمت نخور دست مور
﴿الاخِلاءُ يَوْمَـاـاِذا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ * يا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ ءَامَنُوا بآياتنا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾.
يا عِبَادِ} ؛ أي :
٣٨٨
يا عبادي.
ولفظ العباد المضاف إلى الله مخصوص بالمؤمنين المتقين ؛ أي : يقال : للمتقين يوم القيامة تشريفاً وتطييباً لقلوبهم يا عبادي.
﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ : من إلقاء المكاره.
﴿وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ من فوت المقاصد، كما يخاف ويحزن غير المتقين.
وقال ابن عطاء : لا خوف عليكم اليوم ؛ أي : في الدنيا من مفارقة الإيمان، ولا أنتم تحزنون في الآخرة بوحشة البعد، وذلك لأن خواص العباد يبشرهم ربهم بالسلامة في الدنيا والآخرة، كما دل عليه قوله تعالى :﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَفِى الاخِرَةِ﴾ (يونس : ٦٤)، ولكنهم مأمورون بالكتمان وعلمهم بسلامتهم يكفي لهم، ولا حاجة بعلم غيرهم.
وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى أن من أعتقه الله من رق المخلوقات واختصه بشرف عبوديته في الدنيا لا خوف عليه يوم القيامة من شيء يحجبه عن الله، ولا يحزن على ما فاته من نعيم الدنيا والآخرة مع استغراقه في لجج بحر المعارف والعواطف.
﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا بآياتنا﴾ صفة للمنادى.
﴿وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ حال من الواو أو عطف على الصلة، أو مخلصين وجوههم لنا جاعلين أنفسهم سالمة لطاعتنا عن مقاتل إذا بعث الله الناس فزع كل أحد فينادي منادٍ : يا عبادي، فترفع الخلائق رؤوسهم على الرجاع، ثم يتبعها الذين آمنوا، الآية.
فينكس أهل الأديان الباطلة رؤوسهم.
وفي "التأويلات النجمية" : وكانوا مسلمين في البداية لأوامره ونواهيه في الظاهر.
وفي الوسط مسلمين لآداب الطريقة على وفق الشريعة بتأديب أرباب الحقيقة في تبديل الأخلاق في الباطن.
وفي "النهاية" : مسلمين للأحكام الأزلية والتقديرات الإلهية وجريان الحكم ظاهراً وباطناً في الإخراج من ظلمة الوجود المجازي إلى نور الوجود الحقيقي.
انتهى.
ثم في الآية إشارة إلى الإيمان بالآيات التنزيلية والتكوينية إيماناً عيانياً، وحقيقة الإسلام إنما تظهر بعد العيان في الإيمان، ثم إذا حصل الإيمان الصفاتي، وهو الإيمان بالآيات يترقى السالك إلى الإيمان بالله الذي هو الإيمان الذاتي فاعرف جداً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا بآياتنا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍا وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الانفُسُ وَتَلَذُّ الاعْيُنُا وَأَنتُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَـاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا﴾.
﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ نساؤكم المؤمنات حال كونكم ﴿تُحْبَرُونَ﴾ : تسرون سروراً يظهر حباره ؛ أي : أثره على وجوهكم أو تزينون من الحبرة، وهو حسن الهيئة.


الصفحة التالية
Icon