قال الراغب : الحبر الأثر المستحسن.
ومنه ما روي : يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره ؛ أي : جماله وبهاؤه.
والحبر العالم لما يبقى من أثر علومه في قلوب الناس من آثار أفعاله الحسنة المقتدى بها.
قال في "القاموس" : الحبر بالكسر : الأثر أو أثر النعمة والحسن والوشى، وبالفتح السرور وحبره سره.
والنعمة والحبرة بالفتح السماء في الجنة، وكل نعمة حسنة، وقد مر في سورة الروم ما يتعلق بالسماع عند قوله تعالى :﴿فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ (الروم : ١٥).
وفي "التأويلات النجمية" : ادخلوا جنة الوصال أنتم وأمثالكم في الطلب تتنعمون في رياض الأنس.
﴿يُطَافُ عَلَيْهِم﴾ ؛ أي : على العباد المؤمنين بعد دخولهم الجنة.
وبالفارسية :(بكردانند برسر ايشان).
يدار بأيدي الغلمان والولدان والطائف الخادم، ومن يدور حول البيوت حافظاً والإطافة كالطوف والطواف :(كرد جيزى در آمدن يعنى بكشتن).
﴿بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ﴾ :(كاسانهن).
جمع صحفة كجفان جمع جفنة، وهي القصعة العريضة الواسعة.
قال مجاهد : أي : أواني مدورة الأفواه.
قال السدي : أي : ليست لها أذان.
والمراد : قصاع فيها طعام.
﴿وَأَكْوَابٍ﴾ من ذهب فيها شراب.
وبالفارسية :(وكوزهاى بى دست بى كوشه براز) : أصناف شراب.
جمع : كوب، وهو كوز لا عروة له ولا خرطوم ليشرب الشارب من حيث شاء.
٣٨٩
قال سعدي المفتي : قللت الأكواب وكثرت الصحاف ؛ أي : كما دل عليهما الصيغة ؛ لأن المعهود قلة أواني الشراب بالنسبة إلى أوني الأكل.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : يطاف بسبعين ألف صحفة من ذهب في كل صحفة سبعون ألف لون كل لون له طعم وهذا لأسفل درجة، وأما الأعلى فيؤتى بسبعمائة ألف صحفة كما في "عين المعاني".
﴿وَفِيهَا﴾ ؛ أي : في الجنة.
﴿مَا تَشْتَهِيهِ الانفُسُ﴾ من فنون الملاذ والمشتهيات النفسانية كالمطاعم والمشارب والمناكح والملابس والمراكب، ونحو ذلك.
قال في "الأسئلة المقحمة" : أهل الجنة هل يعطيهم الله جميع ما يسألونه وتشتهي أنفسهم، ولو اشتهت نفوسهم شيئاً من مناهي الشريعة كيف يكون حاله.
والجواب : معنى الآية أن نعيم الجنة كله مما تشتهيه الأنفس، وليس فيها ما لا تشتهيه النفوس، ولا تصل إليه، وقد قيل : يعصم الله أهل الجنة من شهوة محال أو منهي عنها.
يقول الفقير : دل هذا على أنه ليس في الجنة اللواطة المحرمة في جميع الأديان والمذاهب، ولو في دبر امرأته، فإن الإمام مالكاً رحمه الله رجع عن تجويز اللواطة في دبر امرأته، فليس فيها اشتهاء اللواطة لكونها مخالفة للحكمة الإلهية.
وقد جوزها بعضهم في "شرح الأشباح" وغلط فيه غلطاً فاحشاً، وقد بيناه في قصة لوط، وأما الخمر، فليست كاللواطة لكونها حلالاً على بعض الأمم.
والحاصل : أنه ليس في الجنة ما يخالف الحكمة كائناً ما كان.
ولذا تستتر فيها الأزواج عن غير محارمهن، وإن كان لا حل ولا حرمة هناك.
﴿وَتَلَذُّ الاعْيُنُ﴾ يقال : لذذت الشيء بالكسر لذاذاً ولذاذة ؛ أي : وجدته لذيذاً.
والمعنى : تستلذه الأعين وتقر بمشاهدته.
قال سعدي المفتي : هذا من باب تنزل الملائكة والروح تعظيماً لنعيمها، فإن منه النظر إلى وجهه الكريم.
انتهى.
فهذا النظر هو اللذة الكبرى.
قال جعفر : شتان بين ما تشتهي الأنفس وبين ما تلذ الأعين ؛ لأن ما في الجنة من النعيم والشهوات واللذات في جنب ما تلذ الأعين كأصبع يغمس في بحر ؛ لأن شهوات الجنة لها حد ونهاية ؛ لأنها مخلوقة، ولا تلذ الأعين في الدار الباقية إلا بالنظر إلى الوجه الباقي الذي لا حد ولا نهاية له.
(در وسيط آورده كه بدين دو كلمة اخبار كرد از جملة نعيم اهل بهشت نعيم رياض جنان يا نصيب نفس است يا بهرة عين).
كذا قال في "كشف الأسرار" : هذا من جوامع القرآن ؛ لأن جمع بهاتين اللفظتين ما لو اجتماع الخلق كلهم على وصف ما فيهما على التفصيل لم يخرجوا عنه.
(دوريشى فرموده كه اهل نظر ميدانندكه لذت عين درجه جيزاست ميتوانند بود جمعى راكه غشاوة اعتزال بر نظر بصيرت ايشان طارى كشته يالمعات أنوار جمال انكم سترون ربكم برايشان بوشيده ماند با ايشان بكوى كه تلذ الأعين عبارت از جيست بر هر صاحب بصيرتى روشن است كه اهل شوق رالذت عين جز بمشاهدة جمال محبوب متصور نيست.
برده ازبيش براندازكه مشتاقانرا.
لذت ديده جز از ديدن ديدار تونيست.
امام قشيري رحمه الله فرموده كه لذت ديدار فرا خور اشتياق است عاشق راهر جندكه شوق بيشتر بو دلذت افزو نترباشد واز ذو النون مصري رحمه الله نقل كرده اندكه شوق ثمرة محبت است هركرا دوستى بيشتر شوق بديدار دوست زياده تر ودر زبور آمده كه اى داود بهشت من براى مطيعانست وكفايت من جهت متوكلان وزيادت من براى شاكران وانس من بهرة طالبان ورحمت من ازان محبان ومغفرت من براى تائبان ومن خاصة
٣٩٠


الصفحة التالية
Icon