مشتاقائم).
إلا طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا لهم أشد شوقاً :(دلم از شوق توخونست وندانم جونست.
درلا درون شوق جمالت زبيان بيرونست.
درد لم شوق توهر روز فزون ميكردد.
دل شوريده من بين كه جه روز افزونست).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
قال بعض الكبار : وفيها ما تشتهي أنفس أرباب المجاهدات والرياضات لما قاسوا في الدنيا من الجوع والعطش وتحملوا وجوه المشاق، فيمتازون في الجنة بوجوه من الثواب.
ويقال لهم : كلوا من ألوان الأطعمة في صحاف الذهب، واشربوا من أصناف الأشربة من أكواب الذهب هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية.
وأما أرباب القلوب وأهل المعرفة والمحبة، فلهم ما تلذ الأعين من النظر إلى الله تعالى لطول ما قاسوه من فرط الاشتياق بقلوبهم وبذل الأرواح في الطلب :(قومى خدايرا برستند بربيم وطمع آنان مردو رانند دربند باداش مانده وقومى اورا بمهر ومحبت برستند آنان عارفانند).
وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : يا داود إن أود الأوداء إلى من عبدني لغير نوال، ولكن ليعطي الربوبية حقها يا داود.
من أظلم ممن عبدني لجنة أو نار لو لم أخلق جنة وناراً لم أكن أهلاً ؛ لأن أطاع ومر عيسى عليه السلام بطائفة من العباد قد نحلوا :(يعنى از عبادت كداخته بودند).
وقالوا : نخاف النار ونرجو الجنة، فقال : مخلوقاً خفتم ومخلوقاً رجوتم ومر بقوم آخرين كذلك، فقالوا : نعبده حباً له وتعظيماً لجلاله، فقال : أنتم أولياء الله حقاً، أمرت أن أقيم معكم.
قال حسن البصري رحمه الله لذاذة شهادة أن لا إله إلا الله في الآخرة كلذاذة الماء البارد في الدنيا.
وفي الخبر : أن أعرابياً قال : يا رسول الله هل في الجنة إبل، فإني أحب الإبل؟ فقال :"يا أعرابي إن أدخلك الله الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك".
وقال آخر : يا رسول الله هل في الجنة خيل، فإني أحب الخيل؟ قال :"إن أدخلك الله الجنة أصبت فيها فرساً من ياقوتة حمراء تطير بك حيث شئت".
وفي الحديث :"إن أدنى أهل الجنة منزلة من أن له سبع درجات، وهو على السادسة وفوقه السابعة، وإن ثلاثمائة خادم، وإنه يغدى عليه ويراح في كل يوم بثلاثمائة صحفة في كل صحفة لون من الطعام ليس في الأخرى وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره، وأن له من الأشربة ثلاثمائة إناء في كل إناء شراب ليس في الآخر وأنه ليبذ أوله كما يلذ آخره، وأنه ليقول : يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم، ولم ينقص ذلك مما عندي شيئاً وإن له من الحور العين ثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه في الدنيا".
وعن أبي ظبية السلمي.
قال : إن أهل الجنة لتظلهم سحابة، فتقول : ما أمطركم، فما يدعو داع من القوم بشيء إلا أمطرته حتى إن القائل منهم ليقول : أمطرينا كواعب أتراباً.
وعن أبي أمامة قال : إن الرجل من أهل الجنة يشتهي الطائر، وهو يطير فيقع متفلقاً نضيجاً في كفه، فيأكل منه حتى تنتهي نفسه، ثم يطير ويشتهي الشراب، فيقع الإبريق في بدء فيشرب منه ما يريد، ثم يرجع إلى مكانه، وأما الرؤية، فلها مراتب حسب تفاوت طبقات الرائين، وإذا نظروا إلى الله نسوا نعيم الجنان، فإنه أعظم اللذات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
وفي الخبر :"أسألك لذة النظر إلى وجهك".
يقول الفقير : في الآية رد على من قال من الفقهاء لو قال : أرى الله في الجنة يكفر، ولو قال : من الجنة لا يكفر.
انتهى.
وذلك لأن الحق سبحانه جعل ظرفاً للرؤية، وإنما يلزم الكفر إذا اعتقد أن الجنة ظرف المرئي ؛ أي : الله ولا يلزم من تقيد رؤية العبد الرآئي بالجنة تقيد المعبود المرئي بها، ألا ترى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رأى الله في الدنيا؟ مع أن الله ليس في الدنيا
٣٩١
فاعرف، وفوقه مجال للكلام لكن لما كانت الرؤية نصيب أهل الشهود لا أهل القيود كان إلا وجب طي المقال، إذ لا يعرف هذا بالقيل والقال (ع) :(نداند لذت اين باده زاهد).
﴿وَأَنتُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ﴾ : الالتفات للتشريف ؛ أي : باقون دائمون لا تخرجون ولا تموتون إذ لولا البقاء والدوام لنغص العيش ونقص السرور والاشتهاء واللذة، فلم يكن التنعم كاملاً والخوف والحسرة زائلاً بخلاف الدنيا، فإنها لفنائها عيشها مشوب بالكدر ونفعها مخلوط بالضرر :
جز حسرت وندامت وافسوس روزكار
لز زندكى اكر ثمرى يافتى بكو
﴿وَتِلْكَ﴾ : مبتدأ إشارة إلى الجنة المذكورة ﴿الْجَنَّةُ﴾ : خبره.
﴿الَّتِى أُورِثْتُمُوهَا﴾ : أعطيتموها وجعلتم ورثتها.
والإيراث ميراث (دادن) ﴿بِمَآ﴾ الباء للسببية.
﴿كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في الدنيا من الأعمال الصالحة.
والمقصود أن دخول الجنة بمحض فضل الله تعالى ورحمته.
واقتسام الدرجات بسبب الأعمال والخلود فيها بحسب عدم السيئات شبه جزاء العمل بالميراث ؛ لأن العامل يكون خليفة العمل على جزائه.
يعني : يذهب العمل ويبقى جزاؤه مع العامل، فكان العمل كالمورث وجزاؤه كالميراث.
قال الكاشفي :(جزارا بلفظ ميراث ياد فرموده كه خالص است وباستحقاق بدست آيد).


الصفحة التالية
Icon