﴿وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَـاعَةَ إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَقِيلِه يا رَبِّ إِنَّ هَـاؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَـامٌا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾.
﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ﴾ ؛ أي : سألت العابدين والمعبودين : من أوجدهم، وأخرجهم من العدم إلى الوجود.
﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ لنعذر الإنكار لغاية ظهوره ؛ لأن الإنسان خلق للمعرفة وطبع عليها وبها أكرمه الله تعالى، فأما الشأن في معرفة الأشياء، فقبول دعوتهم.
والتوفيق لمتابعتهم والتدين بأديانهم ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾.
الإفك بركر دانيدن أي : فكيف يصرفون عن عبادة الله تعالى إلى عبادة غيره مع اعترافهم بأن الكل مخلوق له تعالى، فهو تعجيب من جحودهم التوحيد مع ارتكازه في فطرتهم.
قال في "الأسئلة المقحمة" : فإن قلت : هذا دليل على أن معرفة الله ضرورية، ولا تجب بالسمع الضروريات، لأنه تعالى أخبر عن الكفار أنهم كانوا يقرون بوحدانية الله قبل ورود السمع، قلت : إنهم يقولون ذلك تقليداً لا دليلاً وضرورة، ومعلوم أن في الناس من أهل الإلحاد من ينكر الصانع، ولو كان ضرورياً لما اختلف فيه اثنان :
خانه بى صنع خانه سازكه ديد
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٤٩
نقش بى دست خامه زن كه شنيد
هركه شد زآدمى سوى تعطيل
نيست دروى خرد جوقدر فتيل
﴿وَقِيلِهِ﴾ : القول والقيل والقال كلها مصادر قرأ عاصم وحمزة بالجر على أنه عطف على الساعة ؛ أي : عنده علم الساعة وعلم قوله عليه السلام شكاية.
وبالفارسية :(ونزديك خداست دانستن قول رسول آنجا كه كفت).
يا رَبِّ} ؛ أي :(برورد كار من).
﴿إِنَّ هَـاؤُلاءِ﴾ :(بدرستى كه اين كروه يعنى معاند ان قريش).
﴿قَوْمٌ﴾ :(كروهى اندكه از روى عناد مكابره).
﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ :(نمى كروند).
ولم يضفهم إلى نفسه بأن يقول : إن قومي لما ساءه من حالهم، أو على أن الواو للقسم.
وقوله : إن هؤلاء إلخ.
جوابه : فيكون إخباراً من الله عنهم لا من كلام رسوله.
وفي الإقسام به من رفع شأنه عليه السلام وتفخيم دعائه والتجائه إليه تعالى ما لا يخفى.
وقرأ الباقون بالنصب عطفاً على محل الساعة ؛ أي : وعنده أن يعلم الساعة وقيله أو على سرهم ونجواهم، أو على يكتبون المحذوف ؛ أي : يكتبون ذلك، وقيله.
قال بعضهم : والأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه، يعني أن الجر على إضمار حرف القسم، كما في قولك : الله لأفعلن.
والنصب على حذفه، وإيصال فعله إليه كقولك الله لأفعلن ؛ كأنه قيل : وأقسم قيله أو بقيله.
والفرق بين الحذف والإضمار أنه في الحذف لا يبقى للذاهب أثر نحو واسأل القرية.
وفي الإضمار يبقى له الأثر نحو انتهوا خيراً لكم.
والتقدير : افعلوا ويجوز الرفع في قيله على أنه قسم مرفوع بالابتداء محذوف الخبر كقولهم يمن الله، ويكون أن هؤلاء.
إلخ.
جواب القسم ؛ أي : وقيله يا رب قسمي أن هؤلاء.
إلخ.
وذلك لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، بما لا يحسن اعتراضاً إن كان مرفوعاً معطوفاً على علم الساعة بتقدير مضاف مع تنافر النظم ورجح الزمخشري احتمال القسم لسلامته عن وقوع الفصل، وتنافر النظم، ولكن فيه التزام حذف وإضمار بلا قرينة ظاهرة في اللفظ الذي لم يشتهر استعماله في القسم، كما في "حواشي المفتي".
﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ﴾ ؛ أي : فأعرض عن
٣٩٩
دعوتهم واقنط من إيمانهم.
﴿وَقُلْ سَلَـامٌ﴾ ؛ أي : أمري تسلم منكم ومن دينكم وتبرٍ ومتاركة، فليس المأمور به السلام عليهم، والتحية بل البراءة كقول إبراهيم عليه السلام : سلام عليك سأستغفر لك.
﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ حالهم البتة، وإن تأخر ذلك.
وبالفارسية :(بس زود باشدكه بدانند عاقبت كفر خودرا وقتى كه عذاب برايشان فرود أيددر دنيا بروز بدر ودر عقبى بدخول درنار سوزان).
وهو وعيد من الله لهم وتسلية لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فعلى العاقل أن يتدارك حاله قبل خروج الوقت بدخول الموت ونحوه.
ويقبل على قبول الدعوة ما دام الداعي مقبلاً غير صافح، وإلا فمن كان شفيعه خصماً له لم يبق له رجاء النجاة.


الصفحة التالية
Icon