قال الشيخ المغربي قدس سره : أفضل الشهور عندنا شهر رمضان ؛ أي : لأنه أنزل فيه القرآن، ثم شهر ربيع الأول ؛ أي : لأنه مولد حبيب الرحمن، ثم رجب ؛ أي : لأنه فرد الأشهر الحرم.
وشهر الله ثم شعبان ؛ أي : لأنه شهر حبيب الرحمن ومقسم الأعمال والآجال بين شهرين عظيمين : رجب ورمضان، ففيه فضل الجوارين العظيمين، كما أن ليوم الخميس وليوم السبت فضلاً عظيماً لكونها في جوار الجمعة.
ولذا ورد :"بارك الله في السبت والخميس"، ثم ذو الحجة ؛ أي : لأنه موطن الحج والعشر التي تعادل كل ليلة منها ليلة القدر والأيام المعلومات، أيام التشريق، ثم شوال ؛ أي : لكونه في جوار شهر رمضان، ثم ذو القعدة ؛ أي : لكونه من الأشهر الحرم، ثم المحرم شهر الأنبياء عليهم السلام، ورأس السنة وأحد الأشهر الحرم.
وقيل : فضل الله الأشهر والأيام والأوقات بعضها على بعض، كما فضل الرسل والأمم بعضها على بعض لتبادر النفوس وتسارع القلوب إلى احترامها وتتشوق الأرواح إلى إحيائها بالتعبد فيها، ويرغب الخلق في فضائلها، وأما تضاعف الحسنات في بعضها، فمن المواهب اللدنية والاختصاصات الربانية ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
قال القاشاني في "شرح التائية" : كما أن شرف الأزمنة وفضيلتها بحسب شرف الأحوال الواقعة فيها من حضور المحبوب ومشاهدته، فكذلك
٤٠١
شرف الأعمال يكون بحسب شرف النيات والمقاصد الباعثة وشرف النية في العمل أن يؤدي للمحبوب ويكون خالصاً لوجهه غير مشوب بغرض آخر.
قال ابن الفارض :()
وعندي عيدي كل يوم أرى به
جمال محياها بعين قريرة
وكل الليالي ليلة القدر إن دنت
كما كل أيام اللقا يوم جمعة
قال بعض الكبار وأشد الليالي بركة وقدراً، ليلة يكون العبد فيها حاضراً بقلبه مشاهداً لربه يتنعم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة كما قالوا :()
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
لا أظلم الليل ولا أدعي
أن نجوم الليل ليست تزول
ليلى كما شاءت قصير إذا
جادت وإن ضنت فليلي طويل
وقال بعض المفسرين : المراد من الليلة المباركة ليلة النصف من شعبان، ولها أربعة أسماء :
الأول : الليلة المباركة لكثرة خيرها وبركتها على العاملين فيها الخير، وإن بركات جماله تعالى تصل إلى كل ذرة من العرش إلى الثرى، كما في ليلة القدر.
وفي تلك الليلة اجتماع جميع الملائكة في حظيرة القدس.
(ودر كشف الأسرار فرموده كه آنرا مبارك خواند ازبهر آنكه برخير وبر بركت است همه شب دعيا نرا اجابت است وسائلا نرا اعطيت ومجتهد انرا معونت ومطيعا نرا مثوبت وغاصبا نرا اقالت ومحبانرا كرامت همه شب درهاى آسمان كشاده جنات عدن وفراديس اعلا درها نهاده ساكنان جنة الخلد بركنكرها نشسته ارواح انبيا وشهدا در عليين فراطرب آمده همه شب نسيم روح ازلي از جانب قربت بدل دوستان ميدمد وبادهواى فردانيث برجان عاشقان مى وزد وازدوست خطاب مى آيدكه).
هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ أي :(درويش بيدار باش درين شب كه همه بساط نزول بيفكنده وكل وصال جانان درباغ را زدارى شكفته نسيم سحر مبارك بهارى از وميدمد وبيغام ملك برمزى باريك وبزارى عجب ميكويد).
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ (الحديد : ١٦) :
ألم يأن للهجران أن يتصرما
وللعود غصن البيان أن يتضرما
وللعاشق الصب الذي ذاب وانحنى
ألم يأن أن يبكي عليه ويرحما
وفي بعض الآثار عجباً لمن آمن بي كيف يتكل على غيري لو أنهم نظروا إلى لطائف بري ما عبدوا غيري.
(اى عجب كسى كه مارا شناخت باغير ما آرام كى كيرد كسى كه مارايافت باديكرى جون بردازد كسى كه رنك وبوى وصال ويا دمادارد دل دررنك وبوى دنيا جون بندد.
از تعجب هرزمان كوبد بنفشه كاى عجب.
هرجه زلف يا ردارد جنك درماجون زند).
والثاني : ليلة الرحمة.
والثالث : ليلة البراءة.
والرابع : ليلة الصك، وذلك لأن البندار إذا استوفى في الخراج من أهله كتب لهم البراءة.
كذلك الله يكتب لعباده المؤمنين البراءات في هذه الليلة.
كما حكي : أن عمر بن عبد العزيز لما رفع رأسه من صلاته ليلة النصف من شعبان وجد رقعة خضراء قد اتصل نورها بالسماء مكتوب فيها.
هذه براءة من النار من الملك العزيز لعبده
٤٠٢
عمر بن عبد العزيز، وكما أن في هذه الليلة براءة للسعداء من الغضب، فكذا فيها براءة للأشقياء من الرحمة نعوذ بالله تعالى، ولهذه الليلة خصال :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
الأولى : تفريق كل أمر حكيم كما سيأتي.
والثانية : فضيلة العبادة فيها.
وفي الحديث :"من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله تعالى إليه مائة ملك : ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا، وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان".