قال في "الإحياء" : يصلي في الليلة الخامسة عشرة من شعبان مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الصمد : ١) : عشر مرات.
وإن شاء صلى عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة مائة مرة :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فهذه أيضاً ؛ أي : كصلاة رجب مروية عن النبي عليه السلام في جملة الصلوات.
كان السلف يصلون هذه الصلاة في هذه الليلة ويسمونها صلاة الخير ويجتمعون فيها وربما صلوها جماعة.
روي عن الحسن البصري : أنه قال : حدثني ثلاثون من أصحاب النبي عليه السلام :"أن من صلى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة، وقضى الله له بكل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة".
انتهى كلام الإحياء.
قال الشيخ الشهير بافتاه قدس سره : أن النبي عليه السلام لما تجلى له جميع الصفات في ثمانية عشر ألف عالم، وأكثر صلى تلك الصلاة بعد العشاء شكراً على النعمة المذكورة.
وروى مجاهد عن علي رضي الله عنه أنه عليه السلام قال :"يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان، فقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، و﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أحد عشرة مرات".
قال عليه السلام :"يا علي ما من عبد يصلي هذه الصلاة إلا قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة، ويبعث الله سبعين ألف ملك يكتبون له الحسنات ويمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات إلى رأس السنة، ويبعث الله في جنات عدن سبعين ألف ملك وسبعمائة ألف يبنون له المدائن والقصور، ويغرسون له الأشجار ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب المخلوقين، وإن مات من ليلته قبل أن يحول الحول، مات شهيداً، ويعطيه الله بكل حرف من ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ في ليلته تلك سبعين حوراء".
كما في "كشف الأسرار" قال بعضهم : أقل صلاة البراءة ركعتان وأوسطها مائة وأكثرها ألف.
يقول الفقير : الألف الذي هو إشارة إلى ألف اسم له تعالى، تفضيل للمائة التي هي إشارة إلى مائة اسم له منتخبة من الألف ؛ لأن التسعة والتسعين باعتبار أحديتها مائة، وهي تفصيل للواحد الذي هو الاسم الأعظم، ولما لم تشرع ركعة منفردة ضم إليها أخرى، إشارة إلى الذات والصفات والليل والنهار والجسد والروح والملك والملكوت.
ولهذا السر استحب أن يقرأ في الركعتين المذكورتين أربعمائة آية من القرآن، فإن فرض القراءة آية واحدة ومستحبها أربع آيات، والمائة أربع مرات أربعمائة، فالركعتان باعتبار القراءة المستحبة في حكم المائة، فاعرف جداً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
وفي الحديث :"من أحيا الليالي الخمس وجبت له الجنة ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر وليلة النصف من شعبان.
والثالثة : نزول الرحمة.
قال عليه السلام :"إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا" ؛ أي : تنزل رحمته.
والمراد في الحقيقة تنزل عظيم من تنزلات عالم الحقيقة مخصوص بتلك الليلة.
وأيضاً المراد تنزل من أول الليلة ؛ أي : وقت غروب الشمس إلى آخرها ؛ أي : إلى طلوع الفجر، أو طلوع الشمس.
٤٠٣
والرابعة : حصول المغفرة قال عليه السلام :"إن الله يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن، أو ساحر، أو مشاحن، أو مدمن خمر، أو عاق للوالدين، أو مصر على الزنا.
قال في "كشف الأسرار" : فسر أهل العلم المشاحن في هذا الموضع بأهل البدع والأهواء والحقد على أهل الإسلام.
والخامسة : أنه أعطى فيها رسول الله عليه السلام تمام الشفاعة.
وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان الشفاعة في أمته، فأعطي الثلث منها، ثم سأل ليلة الرابع عشر، فأعطي الثلثين، ثم سأل ليلة الخامس عشر، فأعطي الجميع إلا من شرد على الله شراد بعير.
وفي رواية أخرى قالت عائشة رضي الله عنها : رأيت النبي صلى الله عليه وسلّم في ليلة النصف من شعبان ساجداً يدعو، فنزل جبريل، فقال :"إن الله قد أعتق من النار الليلة بشفاعتك ثلث أمتك"، فزاد عليه السلام في الدعاء، فنزل جبريل فقال : إن الله يقرئك السلام، ويقول :"أعتقت نصف أمتك من النار"، فزاد عليه السلام في الدعاء، فنزل جبريل، وقال : إن الله أعتق جميع أمتك من النار بشفاعتك إلا من كان له خصم حتى يرضى خصمه.
فزاد عليه السلام في الدعاء، فنزل جبريل عند الصبح.
وقال : إن الله قد ضمن لخصماء أمتك أن يرضيهم بفضله ورحمته فرضي النبي عليه السلام.
والسادسة : أن من عادة الله في هذه الليلة أن يزيد ماء زموم زيادة ظاهرة.
وفيه إشارة إلى حصول مزيد العلوم الإلهية لقلوب أهل الحقائق.
﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ استئناف مبين لما يقتضي الإنزال كأنه قيل : إنا أنزلناه ؛ لأن من شأننا الإنذار والتخويف من العقاب.
﴿إِنَّآ أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـارَكَةٍا إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَآا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.