جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ ؛ أي : يكتب ويفصل كل أمر محكم ومتقن من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم إلا السعادة والشقاوة من هذه الليلة إلى الأخرى من السنة القابلة.
وقيل : يبدأ في انتساخ ذلك من اللوح في ليلة البراءة.
ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتندفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرائيل ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم ونسخة المصائب إلى ملك الموت حتى أن الرجل ليمشي في الأسواق وأن الرجل لينكح ويولد له.
ولقد أدرج اسمه في الموتى :(كفته اند درميان فرشتكان فرشته حليم تر ورحيم تر ومهربان تر از ميكائيل نيست وفرشته مهيب ترو باسياست تراز جبرائيل نيست در خبراست كه روزى هردو مناظره كردند جبرائيل كفت مرا عجب مى آيدكه يا اين همه بى حرمتى وجفا كارى بخلق رب العزة بهشت ازبهرجه مى آفريد ميكائيل كفت مرا عجب مى آيدكه باآن همه فضل وكرم ورحمت كه الله را بربند كانست دوزخ از بهرجه مى آفريداز حضرت عزت وجناب جبروت ندا آمدكه).
أحبكما إلي : أحسنكما ظناً بي :(ازشما هر دواآنرا دوستتر دارم كه بمن ظن نيكو ترمى برد يعنى ميكائيل كه رحمت بر غضب فضل مى نهد).
وقد قال الله تعالى :﴿فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى﴾، وكما أن في هذه الليلة يفصل كل أمر صادر بالحكمة من السماء في السنة من أقسام الحوادث في الخير والشر والمحن والمنن والمنصرة والهزيمة والخصب والقحط، فكذا الحجب والجذب والوصل والفصل والوفاق والخلاف والتوفيق والخذلان والقبض والبسط والستر والتجلي، فكم بين عبد نزل له الحكم والقضاء بالشقاء والبعد وآخر ينزل حكمة بالوفاء والرفد.
﴿أَمْرًا مِّنْ عِندِنَآ﴾ : نصب على الاختصاص ؛ أي : أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا على مقتضى حكمتنا،
٤٠٤
وهو بيان لفخامته الإضافية بعد بيان فخامته الذاتية.
﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ بدل من إنا كنا بدل الكل.
﴿رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ مفعول له للإرسال ؛ أي : إنا أنزلنا القرآن ؛ لأن عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد ؛ لأجل إفاضة رحمتنا عليهم، فيكون قوله : رحمة غاية للإرسال متأخرة عنه على أن المراد منها الرحمة الواصلة إلى العباد، أو لاقتضاء رحمتنا السابقة إرسالهم، فيكون باعثاً متقدماً للإرسال على أن المراد مبدؤها، ووضع الرب موضع الضمير للإيذان بأن ذلك من أحكام الربوبية ومقتضياتها وإضافته إلى ضميره عليه السلام للتشريف :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
در دو عالم بخشش بخشايش است
خلق را از بخششش آسايش است
خواجه جون در مديح خويش سفت
إنما أنا رحمة مهداة كفت
كما قال في "التأويلات النجمية" : إنا كنا مرسلين محمداً عليه السلام رحمة مهداة من ربك ليخرج المشتاقين من ظلمات المفارقة إلى نور المواصلة، وأيضاً إنا كنا مرسلين رحمة لنفوس أوليائنا بالتوفيق لقلوبهم بالتحقيق.
﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ يسمع كل شيء من شأنه أن يسمع خصوصاً أنين المشتاقين، ويعلم كل شيء من شأنه أن يعلم خصوصاً حنين المحبين، فلا يخفى عليه شيء من أقوال العباد وأفعالهم وأحوالهم، وهو تحقيق لربوبيته تعالى، وأنها لا تحق إلا لمن هذه نعوته الجليلة.
﴿رَبِّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ﴾ بدل من ربك.
يقول الفقير : ألهمت بين النوم واليقظة.
أن معنى هذه الآية ؛ أي : إشارة لا عبارة أن مربي ومبلغي إلى كمالي هو رب السماوات والأرض وما بينهما يعني : جميع الموجودات العلوية والسفلية.
وذلك لأنها مظاهر الأسماء والصفات الإلهية، ففي كل ذرة من ذرات العالم حقيقة مشهودة هي غذاء الروح العارف فيتربى بذلك الغذاء الشهودي بالغاً إلى أقصى استعداده كما يتربى البدن بالغذاء الحسي بالغاً إلى غاية نمائه ووقوفه.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب المثنوي بقوله :
آن ختالاتى كه دام أولياست
عكس مهرويان مستان خداست
فافهم جداً وقل : لا أعبد إلا الله ولا أقصد سواه.
﴿إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ بشيء فهذا أولى ما توقنون به لفرط ظهوره أو إن كنتم مريدين لليقين، فاعلموا ذلك.
وبالفارسية :(اكر هستيد شمابى كمانان يعنى طلب كنند كان يقين).
﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ إذ لا خالق سواه.
جملة مستأنفة مقررة لما قبلها.
﴿لا إِلَـاهَ﴾ يوجد الحياة في الجماد، ويوجد الموت في الحيوان بقدرته كما يشاهد ذلك ؛ أي : يعلم علماً جلياً يشبه المشاهدة.
والظاهر أن المشاهدة تتعلق بالأثر، فإن المعلوم هو الإحياء والإماتة، والمشهود هو أثر الحياة في الحي، وأثر الممات في الميت.
وفي "التأويلات النجمية" يحيي قلوب أوليائه بنور محبته وتجلي صفات جماله، ويميت نفوسهم بتجلي صفات جلاله.
﴿رَبُّكُمْ﴾ ؛ أي : هو ربكم وخالقكم ورازقكم.
﴿وَرَبُّ ءَابَآاـاِكُمُ الاوَّلِينَ﴾.