جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
وفي "التأويلات" : رب آدم وأولاده ورب الآباء العلوية.
وقال محمد بن علي الباقر قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف آدم وأكثر.
وذكر الشيخ ابن العربي قدس سره في "الفتوحات المكية" في باب حدوث الدنيا حديثاً ضعيفاً أنه انقضى قبل آدم مائة ألف آدم، وجرى له كشف وشهود في طواف الكعبة أنه شاهد رجالاً تمثلوا له من الأرواح فسألهم من أنتم، فأجابوه أنهم من أجداده الأول قبل آدم بأربعين ألف سنة.
قال الشيخ : فسألت عن ذلك إدريس النبي عليه السلام، فصدقني في الكشف والخبر.
وقال : نحن معاشر الأنبياء نؤمن
٤٠٥
بحدوث العالم كله، ولم نعلم أوله.
والحق تعالى متفرد بأوائل الكائنات.
﴿بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ﴾ :(لكه ايشان درشك اند) ؛ أي : مما ذكر من شؤونه تعالى غير موقنين في إقرارهم بأنه تعالى رب السماوات والأرض وما بينهما.
﴿يَلْعَبُونَ﴾ : لا يقولون ما يقولون عن جد وإذعان، بل مخلوطاً بهزؤ ولعب، وهو خبر آخر.
وفي "كشف الأسرار" :(در كمان خويش بازى ميكنند).
فالظرف متعلق بالفعل، أو بل هم حال كونهم في شك مستقر في قلوبهم يلعبون كما في قوله : فهم في ريبهم يترددون.
وفيه إشارة إلى أن من استولت عليه الغفلة أداه ذلك إلى الشك، ومن لزم الشك كان بعيداً من عين الصواب.
قال بعضهم : وصف أهل الشك والنفاق باللعب، وذلك لترددهم وتحيرهم في أمر الدين واشتغالهم بالدنيا واغترارهم بزينتها.
قال أويس القرني رضي الله عنه : أف لهذه القلوب قد خالطها الشك، فما تنفعها العظة.
وعن الشيخ فتح الموصلي قدس سره، قال : رأيت في البادية غلاماً لم يبلغ الحنث يمشي ويحرك شفتيه، فسلمت عليه فرد الجواب، فقلت له : إلى أين يا غلام؟ فقال : إلى بيت الله الحرام.
قلت : فيماذا تحرك شفتيك؟ قال : بالقرآن.
قلت : فإنه لم يجر عليك قلم التكليف.
قال : رأيت الموت يأخذ من هو أصغر مني سناً، فقلت : خطوك قصير وطريقك بعيد، فقال : إنما علي نقل الخطا وعلى الله الإبلاغ، فقلت : فأين الزاد والراحلة، فقال : زادي يقيني وراحلتي رجلاي :
سدره توفيق بود كرد علايق
خواهى كه بمنزل برسى راحله بكذار
قلت : أسألك عن الخبز والماء، قال : يا عماه أرأيت لو أن مخلوقاً دعاك إلى منزله أكان يجمل بك أن تحمل معك زادك، فقلت : لا.
قال : إن سيدي دعا عباده إلى بيته، وأذن لهم في زيارته، فحملهم ضعف يقينهم على حمل زادهم، وإني استقبحت ذلك، فحفظت الأدب معه أفاره يضيعني، فقلت : كلا وحاشا، ثم غاب عن عيني، فلم أره إلا بمكة، فلما رآني، قال : يا شيخ أنت بعد على ذلك الضعف في اليقين :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
سيراب كن زبحر يقين جان تشنه را
زين بيش خشك لب منشين برسراب ريب
﴿بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ يَلْعَبُونَ * فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَا هَـاذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا﴾.
﴿فَارْتَقِبْ﴾ : الارتقاب :(جشم داشتن) يعني :(منتظر شدن).
والمعنى : فانتظر يا محمد لكفار مكة على أن اللام للتعليل.
وبالفارسية :(بس تو منتظر باش براى ايشان).
﴿يَوْمَ تَأْتِى السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾ ظاهر لا شك فيه ويوم مفعول ارتقب.
والباء : للتعدية يعني :(آن روزكه آسمان دودى آرد آشكارا).
ويجوز أن يكون ظرفاً له، والمفعول محذوف ؛ أي : ارتقب وعد الله في ذلك اليوم أطلق الدخان على شدة القحط وغلبة الجوع على سبيل الكناية، أو المجاز المرسل.
والمعنى : فانتظر لهم يوم شدة ومجاعة، فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان، إما لضعف بصره أو لأن في عام القحط يظلم الهواء لقلة الأمطار، وكثرة الغبار.
ولذا يقال لسنة القحط السنة الغبراء، كما قالوا عام الرمادة.
والظاهر أن السنة الغبراء ما لا تنبت الأرض فيها شيئاً.
وكانت الريح إذا هبت ألقت تراباً كالرماد، أو لأن العرب تسمي الشر الغالب دخاناً، وإسناد الإتيان إلى السماء ؛ لأن ذلك يكفها عن الأمطار، فهو من قبيل إسناد الشيء إلى سببه.
وذلك أن قريشاً لما بلغوا في الأذية له عليه السلام.
دعا عليهم، فقال : اللهم اشدد وطأتك على مضر ؛ أي : عقابك الشديد يعني : خذهم أخذاً شديداً واجعلها عليهم سنيناً كسني يوسف"، وهي السبع الشداد، فاستجاب الله دعاءه فأصابتهم سنة ؛ أي : قحط حتى أكلوا الجيف والجلود والعظام
٤٠٦
والعلهز، وهو الوبر والدم ؛ أي : يخلط الدم بأوبار الإبل، ويشوى على النار كان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان من الجوع.
وكان يحدث الرجل، ويسمع كلامه، ولا يراه من الدخان.
وذلك قوله تعالى :