﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ ؛ أي : يحيط ذلك الدخان بهم ويشملهم من جميع جوانبهم صفة للدخان ﴿هَـاذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ؛ أي : قائلين : هذا الجوع، أو الدخان عذاب أليم فمشى إليه عليه السلام أبو سفيان ونفر معه وناشدوه الله والرحم ؛ أي : قالوا : نسألك يا محمد بحق الله وبحرمة الرحم أن تستسقي لنا ووعدوه إن دعا لهم وكشف عنهم أن يؤمنوا.
وذلك قوله تعالى :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
ربنا اكشف عنا العذاب" (الدخان : ٢١) ؛ أي : الجوع، أو عذاب الدخان، ومآلهما واحد، فإن الدخان إنما ينشأ من الجوع.
﴿رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَآاـاِدُونَ﴾.
﴿إِنَّا مْؤْمِنُونَ﴾ بعد رفعه.
﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى﴾ رد لكلامهم واستدعائهم الكشف وتكذيب لهم في الوعد بالإيمان المنبىء عن التذكر والاتعاظ بما اعتراهم من الداهية.
والمراد بالاستفهام الاستبعاد لا حقيقته، وهو ظاهر ؛ أي : كيف يتذكرون، أو من أين يتذكرون ويقولون : بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب عنهم.
﴿وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ﴾ ؛ أي : والحال أنهم شاهدوا من دواعي التذكر وموجبات الاتعاظ ماهو أعظم منه في إيجابهما حيث جاءهم رسول عظيم الشأن، وبين لهم مناهج الحق بإظهار آيات ظاهرة ومعجزات قاهرة تحرك صم الجبال.
﴿ثُمَّ﴾ : كلمة ثم هنا للاستبعاد.
﴿تَوَلَّوْا﴾ أعرضوا ﴿عَنْهُ﴾ ؛ أي : عن ذلك الرسول فيما شاهدوا منه من العظائم الموجبة للإقبال إليه، ولم يقتنعوا بالتولي.
﴿وَقَالُوا﴾ في حقه.
﴿مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ﴾ ؛ أي : قالوا تارة يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف واسمع عداس، أو أبو فكهة، أو جبر، أو يسار وأخرى مجنون، أو يقول بعضهم : كذا.
وآخرون كذا، فهل يتوقع من قوم هذه صفاتهم أن يتأثروا منه بالعظة والتذكير، وما مثلهم إلا كمثل الكلب إذا جاع طغا وإذا شبع طغا ﴿إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ﴾ : جواب من جهته تعالى عن قولهم : ربنا اكشف الخ ؛ أي : إنا نكشف العذاب المعهود عنكم بدعاء النبي عليه السلام، وإنزال المطر كشفاً ﴿قَلِيلا﴾، وهو دليل على كمال خبث سريرتهم، فإنهم إذا عادوا إلى الكفر بكشف العذاب كشفاً قليلاً، فهم بالكشف رأساً أعود، أو زماناً قليلاً، وهو ما بقي من أعمارهم.
﴿إِنَّكُمْ عَآاـاِدُونَ﴾ تعودون إثر ذلك إلى ما كنتم عليه من العتو والإصرار على الكفر وتنسون هذه الحالة.
وصيغة الفاعل في الفعلين للدلالة على تحققها لا محالة، ولقد وقع كلاهما حيث كشفه الله بدعاء النبي عليه السلام، فما لبثوا أن عادوا إلى ما كانوا فيه من العتو والعناد ؛ لأن من مقتضى فساد طينتهم واعوجاج طبيعتهم المبادرة إلى خلف الوعد ونقض العهد والعود إلى الإشراك إذا زال المانع على ما بينه الله تعالى فيمن ركب الفلك إذ أنجاه إلى البر.
وفي المثنوي :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
آن ندامت از نتيجة رنج بود
نى زعقل روشن جون كنج بود
جونكه شدرنج آن ندامت شد عدم
مى نيرز دخاك آن توبة ندم
ميكند او توبة وبير خرد
بانك لو ردوا لعادوا ميزند
﴿إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَآاـاِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَىَّ عِبَادَ اللَّه إِنِّى﴾.
﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى﴾ : البطش تناول الشيء بعنف وصولة ؛ أي : يوم القيامة ننتقم ونعاقب العقوبة العظمى.
﴿إِنَّا مُنتَقِمُونَ﴾ فيوم ظرف لما دل عليه قوله : إنا منتقمون ؛ لا لمنتقمون لأن إنا مانعة عن ذلك.
قال الكاشفي :(يادكن روزى راكه بكيرم كافرا نرا كرفتن سخت
٤٠٧
وبزرك يعنى روزقيامت).
وذلك لأنه تعالى أخذهم بالجوع والدخان، ثم أذاقهم القتل والأسر يوم بدر.
وكل ذلك من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر، فإذا كان يوم القيامة يأخذهم أخذاً شديداً لا يقاس على ما كان في الدنيا.
نسأل الله العصمة من عذابه وجحيمه والتوفيق لما يوصل إلى رضاه ونعيمه.
وقال بعض المفسرين : المراد بالدخان ما هو من أشراط الساعة، وهو دخان يأتي من السماء قبل يوم القيامة، فيدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ ؛ أي : المشوي ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام، وتكون الأرض كلها كبيت، أوقد فيه ليس فيه خصاص ؛ أي : فرجة يخرج منها الدخان.
وفي الحديث :"أول الآيات : الدخان ونزول عيسى بن مريم ونار تخرج من قعر عدن ـ أبين، وهو بفتح الهمزة على ما هو المشهور : اسم رجل بنى هذه البلدة باليمن وأقام بها تسوق الناس إلى المحشر ؛ أي : إلى الشام والقدس.