قال حذيفة رضي الله عنه : فما الدخان فتلا الآية، فقال : يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة، وأما الكافر، فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره.
وقال حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه : اطلع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونحن نتذاكر، فقال عليه السلام :"ما تذاكرون؟ قالوا : نذكر الساعة، قال عليه السلام :"إنها لن تقوم حتى تروا قبلها آيات ؛ أي : علامات، فذكر الدخان والدجال والدابة، وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
وأوّله بعض العلماء بفتنة الأتراك وأول خروج الدجال بظهور الشر والفساد، ونزول عيسى باندفاع ذلك، وظهور الخير والصلاح.
يقول الفقير : إن كان هذا التأويل من طريق الإشارة، فمسلم لأنه لا تخلو الدنيا عن المظاهر الجلالية والجمالية إلى خروج الدجال، ونزول عيسى.
وأما إن كان من طريق الحقيقة، فلا صحة له إذ لا بد من ظهور تلك الآيات على حقيقتها على ما أخبر به النبي عليه السلام.
فعلى هذا القول، وهو تفسير الدخان : بما هو من أشراط الساعة، معنى قوله : ربنا اكشف عنا.
الخ.
وقوله : إنا كاشفو العذاب.
إلخ.
أنه إذا جاء الدخان تضور المعذبون به من الكفار والمنافقين وغوثوا وقالوا : ربنا اكشف عنا العذاب : إنا مؤمنون، فيكشف الله عنهم بعد أربعين يوماً، فريثما يكشف عنهم يرتدون، ولا يتمهلون، وظهور علامات القيامة لا يوجب انقطاع التكليف، ولا يقدح في صحة الإيمان، ولا يجب أيضاً لزومها وعدم انكشافها.
وقال بعض أهل التفسير : المراد بالدخان ما يكون في القيامة إذا خرجوا في قبورهم، فيحتمل أن يراد به معناه الحقيقي، وما يستلزمه فإنه لشدة أهوال يوم القيامة تظلم العين، بحيث لا يرى الإنسان فيه أينما توجه إلا والظلمة مستولية عليه، كأنه مملوء دخاناً، فعلى هذا يبنى الكلام على الفرض والتقدير.
ومعناه : أنهم يقولون : ربنا اكشف عنا العذاب ؛ أي : ارددنا إلى الدنيا نعمل صالحاً، فيقول الله :﴿إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ﴾، يعني : إن كشفنا ورددناكم إليها تعودوا إلى ما كنتم عليه من الكفر والتكذيب، كما قال تعالى :﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ (الأنعام : ٢٨).
والتفسير الأول من هذه التفاسير الثلاثة : هو الذي يستدعيه مساق النظم الكريم قطعاً.
وفي "عرائس البقلي" رحمه الله ظاهر الآية دخان الكفرة من الجوع في الظاهر
٤٠٨
ودخان بواطنهم.
دخان النفس الأمارة والأهواء المختلفة التي تغير سماء قلوبهم بغبار الشهوات وظلمة الغفلات.
وقال سهل قدس سره : الدخان في الدنيا قسوة القلب والغفلة عن الذكر.
وفي "التأويلات النجمية" : في الآية إشارة إلى مراقبة سماء القلب عن تصاعد دخان أوصاف البشرية يغشى الناس عن شواهد الحق.
هذا عذاب أليم لأرباب المشاهدة، كما قال السري قدس سره : اللهم مهما عذبتني، فلا تعذبني بذل الحجاب : ربنا اكشف عنا عذاب الحجاب، إنا مؤمنون بأنك قادر على رفع الحجاب وإرخائه، فإذا أخذوا في الاستغاثة يقال لهم : أنى لهم الذكرى.
وقد جاءهم رسول مبين بإلهام تقواهم وفجورهم، ثم خالفوا وقالوا : خاطر شيطاني.
إنا كاشفو العذاب عن صورتهم في الدنيا قليلاً ؛ لأن جميع الدنيا عندنا قليل، ولكن يوم نبطش البطشة الكبرى نورثهم حزناً طويلاً، ولا يجدون في ضلال انتقامنا مقيلاً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
يقول الفقير : ظهر من هذه التقريرات : أنه لا خير في الدخان في الظاهر والباطن.
ألا ترى أن من رآه في المنام يعبر بالهول العظيم والقتال الشديد وبالظلمات والحجب والكدورات، فعلى العاقل أن يجتهد في الخروج من الظلمات إلى النور والدخول في دائرة الصفاء والحضور ؛ فإنه إن بقي مع دخان الوجود يظلم عليه وجه المقصود.
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ﴾ :(بيش از كفار مكه).
﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ ؛ أي : القبط.
والمعنى : امتحناهم ؛ أي : فعلنا بهم، فعل الممتحن بإرسال موسى عليه السلام إليهم ليؤمنوا، ويظهر منهم ما كان مستوراً، فاختاروا الكفر على الإيمان، فالفعل حقيقة أو أوقعناهم في الفتنة بالإمهال، وتوسيع الرزق عليهم، فهو مجاز عقلي من إسناد الفعل إلى سببه ؛ لأن المراد بالفتنة حينئذٍ ارتكاب المعاصي، وهو تعالى كان سبباً لارتكابها بالإمهال، والتوسيع المذكورين.
﴿وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ على الله تعالى، وهو موسى عليه السلام بمعنى أنه استحق على ربه أنواعاً كثيرة من الإكرام، أو كريم على المؤمنين، أو في نفسه ؛ لأن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا من كان أفضل نسباً، وأشرف حسباً على أن الكرم بمعنى الخصلة المحمودة.


الصفحة التالية
Icon