وقال بعضهم : لمكالمته مع الله واستماع كلامه من غير واسطة.
وفي الآية إشارة إلى أنه تعالى جعل فرعون وقومه فيما فتنهم فداء أمة محمد عليه السلام لتعتبر هذه الأمة بهم، فلا يصرون على جحودهم، كما أصروا، ويرجعوا إلى طريق الرشد ويقبلوا دعوة نبيهم ويؤمنوا بما جاء به لئلا يصيبهم ما أصابهم بعد أن جاءهم رسول كريم.
﴿أَنْ أَدُّوا إِلَىَّ عِبَادَ اللَّهِ﴾ : أن مصدرية ؛ أي : بأن أدوا إلى بني إسرائيل، وسلموهم وأرسلوهم معي لأذهب بهم إلى موطن آبائهم الشام، ولا تستعبدوهم ولا تعذبوهم ؛ أي : جئتكم من الله لطلب تأدية عباد الله إليَّ
(قال في "كشف الأسرار" : فرعون قبطى بود وقوم وى قبط بودند وبني إسرائيل در زمين ايشان غريب بودند از زمين كنعان بايشان افتادند نزاد يعقوب عليه السلام بودند بايدر خويش يعقوب بمصر شديد بر يوسف وآنروز هشتادو دوكس بودند وايشانرا در مصر توالد وتناسل بود بعد از غرق فرعون جون از مصر بيرون آمدند يا موسى بقصد فلسطين هزار هزار وششصد هزار بودند فرعون ايشانرا در زمين خويش زبون كرفته بود وايشانرا معذب همى داشت وكارهاى صعب ودشوار همى فرمود تا رب العزة موسى رابه بيغمبرى بايشان فرستاد بدوكار يكى اوردن ايمان
٤٠٩
بوحدانيت حق تعالى وعبادت وى كردند ديكر بني إسرائيل را موسى دادن وايشانرا از عذاب رها كردن اينست كه رب العالمين فرمود أن أدوا إليّ عباد الله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
يقول الفقير : فتكون التأدية بعد الإيمان، كما قالوا في آية أخرى ﴿لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ﴾ (الأعراف : ١٣٤)، ونظيره قول نوح عليه السلام لابنه : يا بُنَىَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُن مَّعَ الْكَـافِرِينَ} (هود : ٤٢) ؛ أي : آمن واركب، فإن الراكب إنما هو المؤمنون والركوب متفرع على الإيمان.
وقال بعضهم : عباد الله منصوب بحرف النداء المحذوف ؛ أي : بأن أدوا إليّ يا عباد الله حقه في الإيمان وقبول الدعوة.
﴿إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ على وحيه ورسالته صادق في دعواه بالمعجزات، وهو علة للأمر بالتأدية.
وفيه إشارة إلى أن بني إسرائيل كانوا أمانة الله في أيدي فرعون وقومه، يلزم تأديتهم إلى موسى لكونه أميناً، فخانوا تلك الأمانة حتى آخذهم الله على ذلك.
﴿أَنْ أَدُّوا إِلَىَّ عِبَادَ اللَّه إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَن لا تَعْلُوا عَلَى اللَّه إِنِّى ءَاتِيكُم بِسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ * وَإِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ * وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِى فَاعْتَزِلُونِ * فَدَعَا رَبَّه أَنَّ هَـاؤُلاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ﴾.
﴿وَأَن لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ﴾ ؛ أي : وبأن لا تتكبروا عليه تعالى بالاستهانة بوحيه وبرسوله واستخفاف عباده وإهانتهم.
﴿وَأَن لا﴾ ؛ أي : من جهته تعالى يحتمل أن يكون اسم فاعل، وأن يكون فعلاً مضارعاً.
﴿بِسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ﴾ : تعليل للنهي ؛ أي : آتيكم بحجة واضحة لا سبيل إلى إنكارها.
يعني : المعجزات.
وبالفارسية :(بدرستى كه من بشما آرنده ام حجتى روشن وبرهانى اشكارا بصدق مدعاى خود).
وفي إيراد الأداء مع الأمين والسلطان مع العلاء من الجزالة ما لا يخفى.
﴿وَإِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ﴾ ؛ أي : التجأت إليه وتوكلت عليه.
﴿أَن تَرْجُمُونِ﴾ من أن ترجموني، فهو العاصم من شركم والرجم :(سنكسار كردن).
يعني : الرمي بالرجام بالكسر، وهي الحجارة أو تؤذوني ضرباً، أو شتماً بأن تقولوا : هو ساحر ونحوه، أو تقتلوني.
قيل : لما قال، وأن لا تعلوا على الله توعدوه بالقتل.
وفي "التأويلات النجمية" : وإني عذب بربي من شر نفسي وربكم من شر نفوسكم أن ترجموني بشيء من الفتن.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
﴿وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِى فَاعْتَزِلُونِ﴾ : الإيمان يتعدى باللام باعتبار معنى الإذعان والقبول.
والباء : باعتبار معنى الاعتراف وحقيقة آمن به أمن المخبر من التكذيب، والمخالفة.
وقال ابن الشيخ : اللام للأجل بمعنى لأجل ما أتيت به من الحجة والمعنى وإن كابرتم مقتضى العقل ولم تصدقوني، فكونوا بمعزل مني لا علي ولا لي، ولا تتعرضوا لي بشر ولا أذى لا باليد، ولا باللسان، فليس ذلك من جزاء من يدعوكم إلى ما فيه فلاحكم، فالاعتزال كناية عن الترك، ولا يراد به الاعتزال بالأبدان.
قال القاضي عبد الجبار : من متأخري المعتزلة : كل موضع جاء فيه لفظ الاعتزال في القرآن.
فالمراد منه الاعتزال عن الباطل.
وبهذا صار اسم الاعتزال اسم مدح، وهو منقوض بقوله تعالى :﴿وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِى فَاعْتَزِلُونِ﴾، فإن المراد بالاعتزال هنا العزلة عن الإيمان التي هي الكفر لا العزلة عن الكفر والباطل.
وكذا في بعض كتب الكلام أخبر الله بهذه الآية ؛ لأن المفارقة من الأضداد واجبة.


الصفحة التالية
Icon