قيل : إن بعض أصحاب الجنيد قدس سره وقع له إنكار في مسألة جرت له معه، فكتب إليه ليعارضه فيها، فلما دخل على الجنيد نظر إليه.
وقال : يا فلان، وإن لم تؤمنوا لي، فاعتزلون :(نقلست كه امام أحمد حنبل رحمه الله شبى نزد بشر حافى قدس سره رفتى ودر حق او ارادت تمام داشت تابحدى كه شاكر داتش كفتند امام عالم باشى ودر فقه وأحاديث وجمله علوم واجتهاد نظير ندارى هردم از بس شوريده بابر هنه مى دوى
٤١٠
اين جه لايق بود احمد كفت آن همه علوم كه شمر ديد جنانست من همه به ازان دانم اما او خدارابه از من داند).
فينبغي للمرء أن يعتزل عن الباطل أياً كان لا عن الحق، وربما رأينا بعض أهل الإنكار في الغالب يعتزل عن صحبة الرجال، ثم لا يكتفي باعتزاله حتى يؤذيهم باللسان، فيكون بإهانة الأولياء عدو الله تعالى، ومحروماً من فوائد الصحبة وعوائد المجلس، فلزم على أهل الحق أن يتعوذوا بالله من شرور الظلمة والجبابرة، وأهل الإنكار والمكابرة، كما تعوذ الأنبياء عليهم السلام :
اى خدا كمترين كداى توام
جشم برخوان كبرياى توام
از بد ومنكران امانم ده
هرجه آنم بهست آنم ده
جونكه توكفتى فاستعذ بالله
بتو بردم زشر ديو بناه
باخصوص از بلاى ديو سفيد
كه نباشد از كريز مفيد
﴿فَدَعَا﴾ موسى ﴿رَبَّهُ﴾ بعدما كذبوه.
﴿أَنَّ هَـاؤُلاءِ﴾ ؛ أي : بأن هؤلاء القبط.
﴿قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ﴾ مصرون على كفرهم ومتابعة هواهم وأنت أعلم بهم، فافعل بهم ما يستحقونه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
﴿فَدَعَا رَبَّه أَنَّ هَـاؤُلاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ * فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّـاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾.
﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلا﴾ : الفاء عاطفة بإضمار القول بعد الفاء لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر والإسراء بشب رفتن.
يقال : أسرى به ليلاً : إذا سار معه بالليل، وكذا سرى.
والسرى وإن كان لا يكون إلا بالليل لكنه أتى بالليل للتأكيد.
والمعنى : فأجاب الله دعاءه، وقال له : أسر يا موسى ببني إسرائيل من مصر ليلاً على غفلة من العدو.
وبالفارسية :(بس ببر يشب بندكان مرا).
﴿إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ﴾ : علة للأمر بالسير ؛ أي : يتبعكم فرعون وجنوده بعد أن علموا بخروجكم ليلاً ليقتلكم :(جون بلب دريار سيده باشيد تو عصا بردريا زنى بشكافد ودرو راهها يديد آيد تا بني إسرائيل بكذرند).
﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ﴾ ؛ أي : بحر القلزم، وهو الأظهر الأشهر، أو النيل حال كونه.
﴿رَهْوًا﴾ مصدر سمي به البحر للمبالغة، وهو بمعنى الفرجة الواسعة ؛ أي : ذا رهواً أو راهياً مفتوحاً على حاله منفرجاً، ولا تخف أن يتبعك فرعون وقومه، أو ساكناً على هيئته بعدما جاوزته، ولا تضربه بعصاك لينطبق، ولا تغيره عن حاله ليدخله القبط، فإذا دخلوا فيه أطبقه الله عليهم يعني :(ساكن وآراميده برآن وجه كه راهها برو ظاهر بود).
فيكون معنى : رهواً ساكناً غير مضطرب.
وذلك لأن الماء وقف له كالطود العظيم حتى جاوز البحر.
﴿إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ﴾ : علة للأمر بترك البحر رهواً، والجند جمع معد للحرب والإغراق :(غرق كردن).
والغرق : الرسوب في الماء والتسفل فيه.
يقول الفقير : لما كان فرعون يفتخر بالماء وجريان الأنهار من تحت قصره وأشجار بساتينه جاء الجزاء من جنس العمل، ولذا أمر الله تعالى موسى عليه السلام، بأن يسير إلى جانب البحر دون البر، وإلا فالله سبحانه قادر على إهلاك العدو في البر أيضاً، بسبب من الأسباب، كما فعل بأكثر الكفار ممن كانوا قبل القبط.
﴿كَمْ تَرَكُوا﴾ ؛ أي : كثيراً تركوا في مصر فكم في محل النصب على أنه مفعول تركوا ومن قوله :﴿مِن جَنَّـاتٍ﴾ : بيان لإبهامه ؛ أي : بساتين كثيرة الأشجار، وكانت متصلة من رشيد إلى أسوان وقدر المسافة بينهما أكثر من عشرين يوماً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
وفي الآية اختصار.
والمعنى : فعل ما أمر به بأن ترك البحر رهواً، فدخله فرعون وقومه، فأغرقوا وتركوا بساتين كثيرة.
﴿وَعُيُونٍ﴾ نابعة بالماء.
وبالفارسية :(جشمهاى آب روان).
ولعل المراد : الأنهار الجارية المتشعبة من النيل إذ ليس في مصر آبار وعيون، كما قال بعضهم في ذمها : هي بين بحر رطب عفن
٤١١
كثير البخارات الرديئة التي تولد الأدواء وتفسد الغذاء، وبين جبل وبر يابس صلد ولشدة يبسه لا تنبت فيه خضراء، ولا تتفجر فيه عين ماء.
انتهى.
﴿وَزُرُوعٍ﴾ : جمع زرع، وهو ما استنبت بالبذر تسمية بالمصدر من زرع الله الحرث إذا أنبته وأنماه.
قال في "كشف الأسرار" وفنون الأقوات وألوان الأطعمة ؛ أي : كانوا أهل ريف وخصب خلاف حال العرب.
﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ : محافل مزينة ومنازل محسنة.