جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
وقيل : كانوا يطلبون إليهم أن يدعوا الله فينشر لهم قصي بن كلاب ليشاوروه ويسألوا منه عن أحوال الموت، وكان كبيرهم ومفزعهم في المهمات والملمات.
قال الكاشفي :(اين سخن ازايشان جهل بودزيرا هركه جائز بود وقوع آن ازخداى تعالى بوقتى خاص لازم بود وجود وظهور آن نه بهر وقت كه ديكرى خواهد بس جون وعده بعث در آخرت اكر دردنيا واقع نشود كسى رابرو تحكم نرسد).
وقال في "كشف الأسرار" : وإنما لم يجبهم لأن البعث الموعود إنما هو في دار الجزاء يوم القيامة، والذي كانوا يطلبونه البعث في الدنيا في حالة التكليف وبينهما تغاير.
يقول الفقير : قد صح أن عيسى عليه السلام أحيا الموتى لا سيما سام بن نوح عليه السلام، وكان بينه وبين موته أكثر من أربعة آلاف سنة ونبينا عليه السلام كان أولى بالإحياء ؛ لأنه أفضل لكنهم لما طلبوه بالاقتراح لم يأذن الله له فيه لكون غايته الاستئصال على تقدير الإصرار.
وقد ثبت عند العلماء الأخيار أن نبينا عليه السلام أحيى أبويه وعمه أبا طالب، فآمنوا به كما سبق تفصيله في محله.
وفي الآية إشارة إلى أن من غلب عليه الحسن، ولم تكن له عين القلب مفتوحة ليطلع ببصره وبصيرته عالم الغيب، وهو الآخرة لا يؤمن إلا بما يريه بصر الحس، ولهذا أنكروا البعث والنشور إذا لم يكن يشاهده نظر حسهم، وقالوا : فائتوا بآياتنا ؛ أي : أحيوهم حتى نراهم بنظر الحس ونستخبر منهم أحوالهم بعد الموت إن كنتم صادقين فيما تدعون من البعث.
حكي عن الشيخ أبي علي الرودبادي قدس سره : أنه ورد عليه جماعة من الفقراء، فاعتل واحد منهم وبقي في علته أياماً، فملَّ أصحابه من خدمته وشكوا ذلك إلى الشيخ أبي علي ذات يوم، فخالف الشيخ على نفسه وحلف أن يتولى خدمته بنفسه أياماً، ثم مات الفقير، فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه، فلما أراد أن يفتح رأس كفنه عند أصحابه في القبر رآه وعيناه مفتوحتان إليه.
وقال له : يا أبا علي لأنصرنَّك بجاهي يوم القيامة، كما نصرتني في مخالفتك نفسك.
وقال أبو يعقوب السوسي قدس سره : جاءني مريد بمكة.
وقال : يا أستاذ أنا غداً أموت وقت الظهر فخذ هذا الدينار، فأحضر لي بنصفه حنوطاً وكفني بنصفه، فلما كان الغد وقت الظهر جاء، فطاف ثم تباعد ومات فغسلته وكفنته ووضعته في اللحد، ففتح عينيه فقلت له : أحياة بعد الموت، فقال : أنا حي، فكل محبحيّ.
يقول الفقير :
٤١٧
ففي هاتين الحكايتين إشارات :
الأولى : أن للفقراء الصابرين جاهاً عند الله يوم القيامة، فكل من أطعمهم أو كساهم، أو فعل بهم ما يسرهم، فهم له شفعاء عند الله مشفعون فيدخلونه الجنة بإذن الله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
والثانية : أن حياة الأنبياء والأولياء حياة دائمة في الحقيقة، ولا يقطعها الموت الصوري، فإنه إنما يطرأ على الأجساد بمفارقة الأرواح مع أن أجسادهم لا تأكلها الأرض، فهم بمنزلة الأحياء من حيث الأجساد أيضاً.
والثالثة : أن الإحياء أسهل شيء بالنسبة إلى الله تعالى، فمن تأمل في تعلق الروح بالبدن أولاً لم يتوقف في تعلقه به ثانياً وثالثاً والرابعة أثر الحياة مرئي ومشهود في الميت بالنسبة إلى أرباب البصائر، فإنهم ربما رأوا في بعض الأموات أثر الحياة وتكلموا معه، فمن حرم من البصيرة وقصر نظره على الحس وقع في الإنكار وعلى تقدير رؤيته حمله على أمر آخر من السحر والتخييل، ونحو ذلك كما وقع لبعض الكفار في زمان عيسى عليه السلام وغيره ونعم ما قيل :
در جشم اين سياه دلان صبح كاذبست
در روشنى اكريد بيضا شود كسى
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من أهل الحياة الحقانية والنشأة العرفانية.
﴿أَهُمْ خَيْرٌ﴾ : رد لقولهم وتهديد لهم ؛ أي : كفار قريش خير في القوة والشوكة اللتين يدفع بهما أسباب الهلاك لا في الدين حتى يردانه لا خيرية في واحد من الفريقين.
﴿أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ المراد بتبع هنا واحد من ملوك اليمن معروف عند قريش وخصه بالذكر لقرب الدار، وسيأتي بقية الكلام فيه.
﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ ؛ أي : قيل قوم تبع عطف على قوم تبع.
والمراد بهم : عاد وثمود وأضرابهم من كل جبار عنيد أولي بأس شديد.
والاستفهام لتقرير أن أولئك أقوى من هؤلاء.
﴿أَهْلَكْنَـاهُمْ﴾ :(نيست كرديم ايشانرا).
استئناف لبيان عاقبة أمرهم ؛ أي : قوم تبع والذين من قبلهم.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ كاملين في الإجرام والآثام مستحقين للهلاك، وهو تعليل لإهلاكهم ليعلم أن أولئك حيث أهلكوا بسبب إجرامهم مع ما كانوا في غاية القوة والشدة، فلأن يهلك هؤلاء وهم شركاء لهم في الإجرام وأضعف منهم في الشدة والقوة أولى.