وقال في "الكواشي" عن أبي الدرداء : أنه أقرأ إنساناً طعام الأثيم، فقال : طعام اليتيم مراراً، فقال له : قل طعام الفاجر يا هذا.
وفي هذا دليل لمن يجوز إبدال كلمة بكلمة إذا أدت معناها ولأبي حنيفة في تجويز القراءة بالفارسية : إذا أدت المعنى بكماله قالوا : وهذه إجازة كلا إجازة ؛ لأن في كلام العرب خصوصاً في القرآن المعجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعنى ما لا يستقل بأدائه لغة ما قال الزمخشري أبو حنيفة ما كان يحسن الفارسية، فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر، وعن أبي الجعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل قول صاحبيه في عدم جواز القراءة بالفارسية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
إلى هناك كلام "الكواشي".
وقال في "فتح الرحمن" : يجوز عند أبي حنيفة أن يقرأ بالفارسية إذا أدت المعاني بكمالها من غير أن يخرم منها شيئاً.
وعنه : لا تجوز القراءة بالفارسية
٤٢٦
إلا لعاجز عن العربية، وهو قول صاحبيه وعليه الاعتماد.
وعند الثلاثة لا يجوز بغير العربية.
انتهى.
ويروى رجوعه إلى قولهما في الأصح، كما في الفقه والفتوى على قولهما، كما في "عيون الحقائق".
وجاء من أحسن أن يتكلم بالعربية، فلا يتكلم بالفارسية.
فإنه يورث النفاق، كما في "إنسان العيون".
يقول الفقير : بطلان القراءة بالفارسية ظاهر على تقدير أن يكون كل من النظم.
والمعنى : ركناً للقرآن، كما عليه الجمهور ولعل الإمام لم يجعل النظم ركناً لازماً في الصلاة عند العجز، فأقام العبارة الفارسية مقام النظم، كما أن بعضهم لم يجعل الإقرار باللسان ركناً من الإيمان، بل شرطاً لازماً لإجراء أحكام المسلمين عليه، وإن اعترض بأن تحت كل حرف من القرآن ما لا تفي به العبارة من الإشارات، فلا تقوم لغة مقامه، فيرد بأن علماء أصول الحديث جوزوا اختصارالحديث للعالم لا للجاهل مع أنه عليه السلام أوتي جوامع الكلم، وفي كل كلمة من كلامه أسرار ورموز، فاعرف هذا.
﴿كَالْمُهْلِ﴾ : خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هو كالمهل عن النبي عليه السلام في تفسير المهل كعكر الزيت، وهو درديه فإذا قرب إلى وجهه سقطت فروة وجهه فيه وشبه بالمهل في كونه غليظاً أسود.
وقال بعضهم : المهل ما يمهل في النار حتى يذوب كالحديد والرصاص والصفر ونحوها وشبه الطعام بالنحاس، أو الصفر المذاب في الذوب ونهاية الحرارة، لا في الغليان وإنما يغلي ما شبه به.
﴿يَغْلِى فِى الْبُطُونِ﴾ ؛ أي : حال كون ذلك الطعام يغلي في بطون الكفار.
﴿كَغَلْىِ الْحَمِيمِ﴾ غلياناً كغليان الماء الحار الذي انتهى حره وغليانه لشدة حرارته وكراهية المعدة إياه.
قال بعضهم :(باره باره كند رودهاى ايشان وبكذارد امعا واحشارا).
وفي الحديث :"أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم، فكيف بمن هو طعامه، وليس له طعام غيره، والغلي والغليان التحرك والارتفاع.
وبالفارسية :(جوشيدن).
قال في "المفردات" : الغلي والغليان، يقال : في القدر إذا طفحت ؛ أي : امتلأت وارتفعت.
ومنه استعير ما في الآية وبه شبه غليان الغضب والحرب.
وفي الآية إشارة إلى أن الأثيم، وهو الذي عبد صنم الهوى وغرس شجرة الحرص، فأثمرت الشهوات النفسانية اللذيذة على مذاق النفس في الدنيا يكون طعامه في الآخرة الزقوم الذي مر وصفه :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
نفس رابد خوبناز ونعمت دنيا مكن
آب ونان سير كاهل ميكند مذدوررا
﴿كَغَلْىِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِه مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ﴾.
﴿خُذُوهُ﴾ على إرادة القول والخطاب للزبانية ؛ أي : يقال : للزبانية يوم القيامة خذوا الأثيم، فلا يأخذونه إلا بالنواصي والأقدام.
﴿فَاعْتِلُوهُ﴾ ؛ أي : جروه بالعنف والقهر، فإن العتل الأخذ بمجامع الثوب ونحوه وجره بقهر وعنف.
قال في "تاج المصادر" : العتل :(كشيدن) بعنف.
وفي "القاموس" : عتله يعتله ويعتله، فالعتل جره عنيفاً، فحمله، وهو معتل كمنبر قوي على ذلك.
﴿إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيمِ﴾ ؛ أي : وسطها ومعظمها الذي تستوي المسافة إليه من جميع جوانبه.
وبالفارسية :(وبميانه دوزخ).
﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِه مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ﴾.
صب الماء : إراقته من أعلى، والعذاب ليس بمصبوب، لأنه ليس من الأجسام المائعة، فكان الأصل يصب من فوق رؤوسهم الحميم، فقيل : يصب من فوق رؤوسهم العذاب، وهو الحميم للمبالغة، ثم أضيف العذاب إلى الحميم للتخفيف وزيد من للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع.
وبالفارسية : آنكاه بر بزيد بر زبرسراو از عذاب آب كرم تاتمام بيرون بدن
٤٢٧
او بريختن آب معذب شود جنانجه درون آو از زقوم معذبست.