يقول الفقير : يرد عليه أن الله تعالى جعل مهر حواء في الجنة عشر صلوات على نبينا عليه السلام، وهو لا يتعين بدون العقد إلا أن يقال : ذلك العقد إن صح ليس كالعقد المعهود، وإنما المقصود منه تعظيم نبينا عليه السلام وتعريفه لا التحليل وجعل عنوان الأمر ماهو في صورة المهر ليسري في أنكحة أولادهما.
والظاهر أن المعاملة فيما بين آدم وحواء عليهما السلام في الجنة كانت من قبيل المؤانسة، ولم يكن بينهما مجامعة، كما في الدنيا، وإن ذهب البعض إلى القربان في الجنة مستدلاً بقول قابيل : أنا من أولاد الجنة، وذلك مطعون.
قال الشيخ الشهير بافتاده البرسوي : الشريعة لا ترتفع أبداً حتى أن بعض الأحكام يجري في الآخرة أيضاً مع أنها ليست دار التكليف ألا ترى أن كل واحد من أهل الجنة لا يتصرف إلا فيما عين له من قبل، ولذلك قال الله تعالى :﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِى الْخِيَامِ﴾ (الرحمن : ٧٢)، ولأهل الجنة بيوت الضيافة يعملون فيها للضيافة للأحباب، ويتنعمون.
ولكن أهليهم لا يظهرون لغير المحارم كما في "واقعات" الهدائي قدس سره.
ثم الحور جميع الحوراء، وهي البيضاء والعين جميع العيناء، وهي العظيمة العينين.
فالحور هي النساء النقيات البيض يحار فيهن الطرف لبياضهن وصفاء لونهن واسعة الأعين حسانها أو الشديدات بياض الأعين الشديدات سوادها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
قال في "القاموس" : الحور بالتحريك أن يشتد بياض بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقها وترق جفونها ويبيض ما حواليها، أو شدة بياضها وسوادها في شدة بياض الجسد أو اسوداد العين كلها مثل الظباء.
ولا يكون في بني آدم، بل يستعار لهم.
انتهى.
وفي "المفردات" : قليل ظهور
٤٣٠
قليل من البياض في العين من بين السواد وذلك نهاية الحسن من البين.
واختلف في أنهن نساء الدنيا أو غيرهن، فقال الحسن : أنهن من نساء الدنيا ينشئهن الله خلقاً آخر.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : أنهن لسن من نساء الدنيا.
﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَـاكِهَةٍ﴾ ؛ أي : يطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهونه من الفواكه لا يتخصص شيء منها بمكان ولا زمان.
وذلك لا يجتمع في الدنيا، يعني : أن فواكه الدنيا لا توجد في كل مكان ولها أزمنة مخصوصة لا تستقدمها ولا تستأخرها ﴿ءَامِنِينَ﴾ أي : حال كونهم آمنين من كل ما يسؤوهم أياً كان خصوصاً الزوال والانقطاع وتولد الضرر من الإكثار وحجاب القلب، كما يكون في الدنيا، فيكونون في الصورة مشغولين بالحور العين وبما يشتهون من النعيم، وبالقلوب متوجهين إلى الحضرة مشاهدين لها.
﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا﴾ ؛ أي : في الجنات.
﴿الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الاولَى﴾ الموت والموتة : مصدران من فعل واحد كالنفخ والنفخة إلا أن الموتة أخص من الموت ؛ لأن الموتة للوحدة، والموت للجنس، فيكون بعضاً من جنس الموت، وهو فرد واحد ونفي الوحدة أبلغ من نفي الجنس، فكانت أقوى وأنفى في نفي الموت عن أنفسهم ؛ كأنه قال : لا يذوقون فيها شيئاً من الموت.
يعني : أقل ما ينطلق عليه اسم الموت، كما في "بحر العلوم)"، والاستثناء منقطع ؛ أي : لا يذوقون الموت في الجنة لكن الموتة الأولى قد ذاقوها قبل دخول الجنة.
يعني :(مرك اول كه دردنيا جشيدند مؤمنا نرامرك آنست).
ثم إذا بعثوا ودخلوا الجنة يستمرون على الحياة :(جون معهود نزديك مردمان آنست كه هر زندكى را مرك دربى است حق تعالى خبرا دادكه حيات بهشت را مرك نيست بلكه حيات اوجاود انست).
فعيشتهم المرضية مقارنة للحياة الأبدية بخلاف أهل النار، فإنه لا عيشة لهم، وكذا لا يموتون فيها، ولا يحيون.
ويقال : ليس في الجنة عشرة أشياء ليس فيها هرم ولا نوم ولا موت ولا خوف ولا ليل ولا نهار ولا ظلمة ولا حر ولا برد ولا خروج.
ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً على أن المراد بيان استحالة ذوق الموت فيها على الإطلاق ؛ كأنه قيل : لا يذوقون فيها الموتة إلا إذا أمكن ذوق الموتة الأولى في المستقبل، وذوق الماضي غير ممكن في المستقبل لا سيما في الجنة التي هي دار الحياة، فهذا من باب التعليق بالمحال، كقوله تعالى :﴿وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ (النساء : ٢٢).
والمقصود أنهم لا يذوقون فيها الموت البتة، وكذا لا ينكحون منكوحات آبائهم قطعاً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٠
وقيل : إلا بمعنى بعد أو بمعنى سوى ؛ فإن قلت : هذا دليل على نفي الحياة والموت في القبر.
قلت : أراد به جنس الموت المتعارف المعهود فيما بين الخلق، فإن الموت المعهود لا يعرى عن الغصص، والموت بعد الإحياء في القبر يكون أخف من الموت المعهود، كما في "الأسئلة المقحمة".
يقول الفقير : دلت الآية على أن الموت وجودي ؛ لأنه تعلق به الذوق، وهو الإحساس به إحساس الذائق المطعوم.
والأكثرون على أنه عدمي ؛ أي : معدوم في الخارج غير قائم بالميت ؛ لأن المعدوم لا يحتاج إلى المحل، وسيجيء تحقيقه في محله إن شاء الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon