سورة الجاثية
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٣
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
﴿حم﴾ ؛ أي : هذه السورة مسماة بـ﴿حم﴾.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير بالحاء إلى حياته، وبالميم إلى مودته كائن، قال بحياتي ومودتي لأوليائي لا شيء إليَّ أحب من لقاء أحبائي ولا أعز ولا أحب على أحبابي من لقائي.
وفي "عرائس البقلي" : الحاء يدل على أن في بحر حياته حارت الأرواح، والميم تدل على أن في ميادين محبته هامت الأسرار.
يقول الفقير : الحاء إشارة إلى الحب الأزلي المتقدم.
ولذا قدمه، والميم إشارة إلى المعرفة الأبدية المتأخرة، ولذا أخره، كما دل عليه قوله تعالى لداود عليه السلام :"كنت كنزاً مخفياً، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف"، فإن المحبة في هذا الحديث القدسي متقدمة على المعرفة.
وذلك نزولاً وبالعكس عروجاً، كما لا يخفى على أهل الذوق.
﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ﴾ ؛ أي : القرآن المشتمل على السور مطلقاً خصوصاً هذه السورة الجليلة، وهو مبتدأ خبره قوله :﴿مِنَ اللَّهِ﴾ فدل على أنه ؛ أي : القرآن حق وصدق.
﴿الْعَزِيزُ﴾ فدل على أنه معجز غالب غير مغلوب ﴿الْحَكِيمُ﴾ فدل على أنه مشتمل على حكم بالغة وعلى أنه يحكم في نفسه بنسخ ولا ينسخ، فليس كما يزعم المبطلون من أنه شعراً أو كهانة، أو تقول من عنده ممكن معارضته، وأنه كأساطير الأولين مثل حديث رستم وإسنفديار وغيرهما، فيجب أن يعرف قدره وأن يكون الإنسان مملوءاً به صدره أبو بكر شبلي قدس سره :(ببازار بغداد بركذشت باره كاغد ديدكه نام دوست بروى رقم بود ودرزير اقدام خلق افتاده شبلي جون آنرا ديد اضطرابي بردل واعضاى وى افتاد آن رقعة برداشت وببوسيد وآنرا معطر ومعنبر كرد وباخود داشت كاه برسينه نهادى ظلمت غفلت بزدودى وكاه برديده نهادى نور جشم بيفزودى تاآن روزكه بقصد بيت الله الحرام از بغداد بيرون آمد روى بباديه نهادآن رقعه دردست كرفته وآنرا بدرقه روزكار خود ساخته درباديه جوانى راديد فريد وغريب بى زاد وراحله از خاك بستر كرده واز سنك بالين ساخنه سرشك از جشم او روان شده وديده در هوا نهاده شبلي بر بالين وى نشت وآن كاغد بيش ديده او داشت كفت اى جوان برين عهد هستى جوان روى بكردانيد شبلي كفت انامكر اندرين سكرات وغمرات حال اين جوانرا تبديل خواهد شد جوان باز نكريست وكفت اى شبلى دائماً در غلطى آنجه تو دركاغد مى بينى وميخوانى مادر صحيفة دل مى بينيم
٤٣٤
ومى خوانيم).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
يقول الفقير :
سر عشق يار من مخفى بود درجان من
كس نداند سر جانم رابجز جانان من
﴿إِنَّ فِى السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ﴾ ؛ أي : في خلقهما وخلق ما فيهما من آثار القدرة كالكواكب والجبال والبحار ونحوها.
﴿لايَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ لشواهد الربوبية لأهل التصديق وأدلة الإلهية، لأهل التوفيق خص المؤمنين بالذكر لانتفاعهم بتلك الآيات والدلالات، فإنهم يستدلون بالمخلوق على الخالق، وبالمصنوع على الصانع فيوحدونه، وهو أول الباب ولذا قدم الإيمان على الإيقان، ولعل الوجه في طي ذكر المضاف هنا، وهو الخلق وإثباته في الآية الآتية أن خلق السماوات والأرض ليس بمشهود للخلق، وإن كانتا مخلوقتين، كما قال تعالى :﴿مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (الكهف : ٥١) بخلاف خلق الإنسان، وما يلحق به من خلق سائر الدواب، فإنه كما أنه يستدل بخلقه على خالقه، فكذا يشاهد خلقه وتوالده، فتكون المخلوقية فيه أظهر من الأول.
هكذا لاح بالبال والله أعلم بحقيقة الحال، وهنا كلام آخر سيأتي.
﴿وَفِى خَلْقِكُمْ﴾ ؛ أي : من نطفة، ثم من علقة متقلبة في أطوار مخالفة إلى تمام الخلق.
﴿وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ﴾ عطف على المضاف دون المضاف إليه، وإلا يكون عطفاً على بعض الكلمة إذ المضاف والمضاف إليه، كشيء واحد كالجار والمجرور.
قال سعدي المفتي رحمه الله : العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار منعه سيبويه وجمهور البصريين، وأجازه الكوفيون ويونس والأخفش.
قال أبو حيان : واختاره الشلوبين، وهو الصحيح، وفصل بعض النحويين، فأجاز العطف على المجرور بالإضافة دون الحرف.
انتهى.
والمعنى : وفي خلق ما ينشره الله تعالى ويفرقه من دابة، وهي كل ما يدب على وجه الأرض من الحيوان مع اختلاف صورها وأشكالها وكثرة أنواعها وأضمر ذكر الله لقرب العهد منه بخلافه، في وما أنزل الله كما سيأتي.
﴿ءَايَاتُ﴾ بالرفع على أنه مبتدأ خبره الظرف المقدم والجملة معطوفة على ما قبلها من الجملة المصدرة بأن ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ ؛ أي : من شأنهم أن يوقنوا بالأشياء على ما هي عليه.
واليقين علم فوق المعرفة والدراية ونحوهما وبينه وبين الإيمان فروق كثيرة، وحقيقة الإيمان هو اليقين حين باشر الأسرار بظهور الأنوار.
ألا ترى كيف سأل عليه السلام بقوله :"اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي ويقيناً ليس بعده كفر".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
يقول الفقير : لم يقل للموقنين كما قال للمؤمنين إشارة إلى قلة هذا الفريق بالنسبة إلى الأول، وخص الإيقان بخلق الأنفس ؛ لأن ما قبله من الإيمان بالآفاق، وهو ما خرج عنك، وهذا من الإيمان بالأنفس، وهو ما دخل فيك، وهذا أخص درجات الإيمان، فإنه إذا كمل الإيمان في مرتبة الآفاق بترقي العبد إلى المشاهدة في مرتبة الأنفس، فكمال اليقين إنما هو في هذه المرتبة، لا في تلك المرتبة ؛ لأن العلم بما دخل فيك أقوى منه، بما خرج عنك إذ لا يكذبه شيء، ولذا جاء العلم الضروري أشد من العلم الاستدلالي وضم خلق الدواب إلى خلق الإنسان لاشتراك الكل في معنى الجنس، فافهم جداً واقنع.


الصفحة التالية
Icon