وفي "التأويلات النجمية" : إن العبد إذا أمعن نظره في حسن استعداده ظاهراً وباطناً وأنه خلق في أحسن تقويم ورأى استواء قده وقامته وحسن صورته وسيرته واستكمال عقله وتمام تمييزه، وما هو مخصوص به في جوارحه وجوانحه، ثم تفكر فيما عداه من الدواب وأجزائها وأعضائها وأوصافها وطباعها وقف على اختصاص وامتياز بني آدم بين البرية من الجن في الفهم والعقل والتمييز، ثم
٤٣٥
في الإيمان، ومن الملائكة في حمل الأمانة، وتعلم علم الأسماء ووجوه خصائص أهل الصفوة من المكاشفات والمشاهدات والمعاينات.
وأنواع التجليات، وما صار به الإنسان خليفة ومسجود الملائكة المقربين وعرف تخصيصهم بمناقبهم وانفرادهم بفضائلهم فاستيقن أن الله كرمهم، وعلى كثير من المخلوقات فضلهم، وأنهم محمولو العناية في بر الملك وبحر الملكوت.
قال الصائب :
اى رزانه فلك زوجودت عيان همه
در دامن تو حاصل دريا وكان همه
اسرار جار دفتر ومضمون نه كتاب
در نقطة تو ساخته ايزد نهان همه
قدوسيان بحكم خداوند امر ونهي
بيش توسركذاشته برآستان همه
روحانيان براى تماشاى جلوه ات
جون كودكان برآمده برآسمان همه
﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَآا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبِّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ﴾.
﴿إِنَّ فِى خَلْقِ﴾ ؛ أي : وفي اختلافهما بتعاقبهما أو بتفاوتهما طولاً وقصراً أو بسواد الليل وبياض النهار.
﴿وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ﴾ عطف على اختلاف ﴿مِن رِّزْقِ﴾ ؛ أي : مطر، وهو سبب الرزق عبر عنه بذلك تنبيهاً على كونه آية من جهتي القدرة والرحمة.
﴿فَأَحْيَا بِهِ الارْضَ﴾ بأن أخرج منها أصناف الزروع والثمرات والنباتات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
﴿بَعْدَ مَوْتِهَآ﴾ يبسها وعرائها عن آثار الحياة وانتفاء قوة التنمية عنها وخلو أشجارها عن الثمار، ففيه تشبيه للرطوبة الأرضية بالروح الحيواني في كونها مبدأ التوليد والتنمية، وتشبيه زوالها بزوال الروح وموت الجسد، وفيه إشارة إلى أرض القلوب، فإنها عند استيلاء أوصاف البشرية عليها في أوان الولادة إلى حدّ البلوغ محرومة من غذاء تعيش به، وهو أوامر الشريعة ونواهيها المودعة فيها نور الإيمان الذي هو حياة القلوب، فعند البلوغ ينزل غيث الرحمة رزقاً لها، فيحصل لها الحياة المعنوية.
﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَـاحِ﴾ تحويلها من جهة إلى أخرى، وتبديلها من حال إلى حال إذ منها مشرقية ومغربية وجنوبية وشمالية، وحارة وباردة ونافعة وضارة وتأخيره عن إنزال المطر مع تقدمه عليه في الوجود، إما للإيذان بأنه آية مستقلة حيث لو روعي الترتيب الوجودي لربما توهم أن مجموع تصريف الرياح وإنزال المطر آية واحدة، وإما لأن كون التصريف آية ليس بمجرد كونه مبدأ لإنشاء المطر، بل له ولسائر المنافع التي من جملتها سوق السفن في البحار.
﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ ءَايَـاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّا فَبِأَىِّ حَدِيثا بَعْدَ اللَّهِ وَءايَـاتِه يُؤْمِنُونَ﴾ بالرفع على أنه مبتدأ خبره ما تقدم من الجار والمجرور.
والجملة معطوفة على ما قبلها وتنكير آيات في المواضع الثلاثة للتفخيم، كماً وكيفاً والعقل، يقال : للقوة المتهيئة لقبول العلم، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة عقل، ولهذا قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، فإن العقل عقلان : فمطبوع ومسموع.
ولا ينفع مطبوع.
إذ لم يك مسموع.
كما لا ينفع الشمس، وضوء العين ممنوع.
وإلى الأول أشار النبي عليه السلام بقوله :"ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل"، وإلى الثاني أشار بقوله : ما كسب أحد شيئاً أفضل من عقل يهديه إلى هدى، أو يرده عن ردى وهذا العقل هو المعنى بقوله تعالى :﴿وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلا الْعَـالِمُونَ﴾ (العنكبوت : ٤٣)، وكل موضع ذم الكفار بعدم العقل، فإشارة إلى الثاني دون الأول، وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل، فإشارة إلى الأول، كما في "المفردات".
والمعنى : لقوم ينظرون بعيون عقولهم، ويعتبرون ؛ لأنها دلائل واضحة على وجود صانعها وعظيم قدرته وبالغ حكمته وخص العقلاء بالذكر ؛ لأنه بالعقل يمكن الوقوف على الدلائل.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
يقول الفقير : لعل سر تخصيص العقل بهذا المقام وتأخيره عن الإيمان والإيقان
٤٣٦