أن هذه الآية دائرة بين علوي وسفلي، وما بينهما.
وللعقل مدخل تعقل كل ذلك، واشتراك بين الإيمان والإيقان، فافهم جداً.
وفيه إشارة إلى أن الله تعالى جعل العلوم الدينية كسبية مصححة بالدلائل وموهبية محققة بالشواهد، فمن لم يستبصر بهما زلت قدمه عن الصراط المستقيم ووقع في عذاب الجحيم فاليوم في الحيرة والتقليد، وفي الآخرة في الوعيد بالتخليد جعلنا الله وإياكم من أهل الدلائل والشواهد وعصمنا من عمى كل منكر جاحد إنه هو الفرد الواحد.
﴿تِلْكَ﴾ الآيات القرآنية من أول السورة، وهو مبتدأ خبره قوله :﴿اللَّهِ إِلا﴾ المنبهة على الآيات التكوينية.
﴿نَتْلُوهَا عَلَيْكَ﴾ بواسطة جبرائيل حال كوننا ﴿بِالْحَقِّ﴾ ؛ أي : محقين، أو حال كون الآيات ملتبسة بالحق والصدق بعيدة من الباطل والكذب.
وقال في "بحر العلوم" نتلوها عليك حال عاملها معنى الإشارة ؛ كأنه قيل : نشير إليها متلوة عليك تلاوة متلبسة بالحق مقترنة بعيدة من الباطل واللعب والهزل، كما قال وما هو بالهزل.
انتهى.
ويجوز أن تكون تلك إشارة إلى الدلائل المذكورة ؛ أي : تلك دلائله الواضحة على وجوده ووحدته وقدرته وعمله وحكمته نتلوها عليك ؛ أي : بتلاوة النظم الدال عليها.
﴿فَبِأَىِّ حَدِيث﴾ من الأحاديث وخبر من الأخبار ﴿بَعْدَ اللَّهِ وَءايَـاتِهِ﴾ ؛ أي : بعد آيات الله وتقديم الاسم الجليل لتعظيمه، كما في قولهم : أعجبني زيد وكرمه يريدون أعجبني كرم زيد، ونظيره قوله تعالى :﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ (الأنفال : ٤١)، فإن اسم الله هنا أيضاً، مذكور بطريق التعظيم، كما سبق.
فقول أبي حيان فيه إقحام الأسماء من غير ضرورة غير مفيد أو بعد حديث الله الذي هو القرآن حسبما نطق به قوله تعالى :﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ (الزمر : ٢٣)، وهو المراد بآياته أيضاً، ومناط العطف التغاير العنواني.
﴿يُؤْمِنُونَ﴾ : يعني أن القرآن من بين الكتب السماوية معجزة باهرة فحيث لم يؤمنوا به، فبأي كتاب بعده يؤمنون ؛ أي : لا يؤمنون بكتاب سواه.
وقيل : معناه القرآن آخر كتب الله ومحمد آخر رسله، فإن لم يؤمنوا به ؛ فبأي كتاب يؤمنون، ولا كتاب بعده ولا نبي.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
وفي الآية إشارة إلى أن الإيمان لا يمكن حصوله في القلب إلا بالله وكتابته في القلوب وبإراءته المؤمنين آياته، وإلا فلا يحصل بالدلائل المنطقية، ولا البراهين العقلية.
قال الإمام الرازي لحضرة الشيخ نجم الدين قدس سره : بم عرفت ربك؟ قال : بواردات ترد على القلوب، فتعجز النفوس عن تكذيبها.
وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام قال :"من أعجب الخلق إيماناً؟ قالوا : الملائكة" قال عليه السلام :"وكيف لا تؤمن الملائكة، وهم يعاينون الأمر، قالوا : فالنبيون" قال عليه السلام : وكيف لا يؤمن النبيون، والروح ينزل عليهم بالأمر من السماء"، قالوا : فأصحابك؟ قال عليه السلام :"وكيف لا يؤمن أصحابي وهم يرون ما يرون؟ ولكن أعجب الناس إيماناً قوم يجيئون بعدي يؤمنون بي، ولم يروني ويصدقونني، ولم يروني، فأولئك إخواني".
وفي الحديث إشارة إلى أن الإيمان المبني على الشواهد القلبية أعلى من الإيمان المبني على الدلائل الخارجية.
وفي الكل فضل بحسب مقامه، فأهل الإيمان والتوحيد مطلقاً مغفور لهم.
وعن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام أنه قال : يا أبا ذر جدد إيمانك بكرة وعشياً"، فإن سريعاً يندرس الإسلام حتى لا يدري أحد ما الصلاة، وما الصيام، وأن واحداً منهم يقول : إن من كان قبلنا يقولون : لا إله إلا الله، ويدخلون هذه البيوت ؛ أي : المساجد.
قيل :
٤٣٧
يا رسول الله إذا لم يصلوا، ولم يصوموا، فما يغني عنهم قولهم : لا إله إلا الله.
قال عليه السلام :"بهذه الكلمة ينجون من نار جهنم.
وعن حذيفة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول :"مات رجل من بني إسرائيل من قوم موسى عليه السلام، فإذا كان يوم القيامة يقول الله لملائكته، انظروا هل تجدون لعبدي من حسنة يفوز بها اليوم، فيقولون : إنا لا نجد سوى أن نقش خاتمة لا إله إلا الله، فيقول الله تعالى : أدخلوا عبدي الجنة فقد غفرت له".
﴿وَيْلٌ﴾ كلمة عذاب بالفارسية :(سختى عذاب).
﴿لِّكُلِّ أَفَّاكٍ﴾ : كذاب.
والإفك : كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه.
﴿أَثِيمٍ﴾ صيغة مبالغة بمعنى كثير الإثم كعليم بمعنى كثير العلم.
﴿رَبِّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ * لا إله إِلا هُوَ يُحْى وَيُمِيتُا رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآاـاِكُمُ الاوَّلِينَ * بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ يَلْعَبُونَ * فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤


الصفحة التالية
Icon