﴿يَسْمَعُ ءَايَـاتِ اللَّهِ﴾ صفة أخرى لأفاك.
والمراد : آيات القرآن ؛ لأن السماع إنما يتعلق بها.
وكذا التلاوة في قوله :﴿تُتْلَى عَلَيْهِ﴾ حال من آيات الله ﴿ثُمَّ يُصِرُّ﴾ ؛ أي : يقيم على كفره ويدوم عازماً عليه عاقداً.
قال في "المفردات" : الإصرار التعقد في الذنب والتشدد فيه والامتناع من الإقلاع عنه وأصله في الصرا ؛ أي : الشد والصرة ما يعقد فيها الدراهم ﴿مُسْتَكْبِرًا﴾ عن الإيمان بما سمعه من آيات الله والإذعان بما نطق به من الحق مزدرياً لها معجباً بما عنده من الأباطيل.
وكان النضر بن الحارث بن عبد الدار.
وقد قتل صبراً يشتري من أحاديث العجم مثل حديث رستم وإسفنديار، ويشغل بها الناس عن استماع القرآن، فوردت الآية ناعية عليه، وعلى كل من يسير سيرته ما هم فيه من الشر والفساد، وذلك التعميم لكلمة الإحاطة والشمول، وكلمة ثم لاستبعاد الإصرار والاستكبار بعد سماع الآيات التي حقها أن تذعن لها القلوب وتخضع لها الرقاب، فهي محمولة على المعنى المجازي ؛ لأنه الأليق بمرام المقام، وإن كان يمكن الحمل على الحقيقة أيضاً، واعتبار منتهى الإصرار.
﴿كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا﴾ ؛ أي : بصير كأنه لم يسمعها ؛ أي : مشابهاً حاله حال من لم يسمعها، فخفف وحذف ضمير الشأن.
والجملة من يصير تشبيهاً بغير السامع في عدم القبول والانتفاع.
﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ؛ أي : أنذره على إصراره واستكباره بعذاب أليم، فإن ذكر العذاب قرينة على الاستعارة استعيرت البشارة التي هي الإخبار بما يظهر سرور في المخبر به للإنذار الذي هو صده بإدخال الإنذار في جنس البشارة على سبيل التهكم، والاستهزاء هذا إذا أريد المعنى المتعارف للبشارة، وهو الخبر السار، ويجوز أن يكون على الأصل، فإنها بحسب أصل اللغة عبارة عن الخبر الذي يؤثر في بشرة الوجه بالتغيير، وهو يعم خبر السرور والحزن.
ولذا قال في "كشف الأسرار" ؛ أي : أخبره خبراً يظهره أثر على بشرته من الترح.
﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَـاتِنَا شَيْـاًا﴾ ؛ أي : إذا بلغه من آياتنا شيء، وعلم أنه من آياتنا إلا أنه علمه، كما هو عليه، فإنه بمعزل من ذلك الكلام.
﴿اتَّخَذَهَا﴾ ؛ أي : الآيات كلها.
﴿هُزُوًا﴾ ؛ أي : مهزواً بها لا ما سمعه فقط، أو الضمير للشيء والتأنيث باعتبار الآية.
يعني :(بآن افسوس كندو بصورتى باز نمايدكه از حق وصواب دور باشد).
كالنضر استهزأ بها وعارضها بحديث الفرس يرى العوام أنه لا حقيقة لذلك، وكأبي جهل حيث أطعمهم الزبد والتمر.
وقال : تزقموا أفهذا ما يتوعدكم به محمد، فحمل الزقوم على الزبد والتمر.
﴿أولئك﴾ : إشارة إلى كل أفاك من حيث الإنصاف بما ذكر من القبائح والجمع باعتبار شمول كل كما أن الإفراد في الضمائر السابقة باعتبار كل واحد.
٤٣٨
﴿لَهُمْ﴾ بسبب جناياتهم المذكورة ﴿عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ يذلهم ويذهب بعزهم وصف العذاب بالإهانة توفية لحق استكبارهم واستهزائهم بآيات الله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
﴿مِّن وَرَآاـاِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ ؛ أي : جهنم كائنة من قدامهم ؛ لأنهم متوجهون إلى ما أعد لهم أو من خلفهم ؛ لأنهم معرضون عن ذلك مقبلون على الدنيا، فإن الوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف، أو قدام ؛ أي : يسترها.
وقال بعضهم : وراء في الأصل مصدر جعل ظرفاً ويضاف إلى الفاعل، فيراد به ما يتوارى به، وهو خلفه وإلى المفعول، فيراد به ما يواريه، وهو قدامه، ولذلك عد من الأضداد.
وفي "القاموس" : الوراء يكون خلف وقدام ضد أولاً ؛ لأنه بمعنى، وهو ما توارى عنك.
﴿وَلا يُغْنِى عَنْهُم﴾ ولا يدفع ﴿مَّا كَسَبُوا﴾ من الأولاد والأموال ﴿شَيْـاًا﴾ من عذاب، فيكون مفعولاً به أو لا يغني عنهم في ذلك شيئاً من الإغناء ؛ أي : إغناء قليلاً، فيكون مصدراً، يقال أغنى عنه إذا كفاه؟ ﴿وَلا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ﴾ ؛ أي : ولا ينفعهم أيضاً ما عبدوه من دون الله من الأصنام وتوسيط حرف النفي بين المعطوفين مع أن عدم إغناء الأصنام أظهر وأجلى من عدم إغناء الأموال والأولاد قطعاً مبني على زعمهم الفاسد حيث كانوا يطمعون في شفاعتهم وفيه تهكم ﴿وَلَهُمْ﴾ فيما وراءهم من جهنم ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ لا يعرف كنهه يعني :(شدت آن از حد متجاوزاست).
﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَا هَـاذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ﴾.
﴿هَـاذَآ﴾ ؛ أي : القرآن ﴿هُدًى﴾ ؛ أي : في غاية الكمال من الهداية ؛ كأنه نفسها كقولك زيد عدل ﴿هَـاذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ القرآنية ﴿لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مِّن﴾ ؛ أي : من شدة العذاب ﴿أَلِيمٌ﴾ بالرفع صفة عذاب.
وبالفارسية :(ازسخت ترين عذابي ألم رسانيده).
وفي الآيات إشارات :


الصفحة التالية
Icon