وفي رواية : ستين سنة.
وفي رواية : سبعين سنة.
وروي : أن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قل : دخلت على أبي هريرة رضي الله عنه، فسمعته يقول : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"تفكر ساعة خير من عبادة سنة"، ثم دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما، فسمعته يقول : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : تفكر ساعة خير من عبادة سبع سنين، ثم دخلت على أبي بكر رضي الله عنه، فسمعته يقول : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة، فقال المقداد : فدخلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبرته بما قالوا، فقال : صدقوا، ثم قال : ادعهم إليَّ فدعوتهم، فقال لأبي هريرة : كيف تفكرك؟، وفيما ذا قال
٤٤٠
في قول تعالى، ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (آل عمران : ١٩)، الآية.
فإن تفكرك خير من عبادة سنة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
ثم سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن تفكره، فقال : تفكري في الموت، وهول المطلع، قال : تفكرك خير من عبادة سبع سنين، ثم قال لأبي بكر : كيف تفكرك، قال : تفكري في النار وفي أهوالها، وأقول : يا رب اجعلني يوم القيامة من العظم بحال يملأ النار مني حتى تصدق وعدك، ولا تعذب أمة محمد في النار، فقال عليه السلام : تفكرك خير من عبادة سبعين سنة، ثم قال : أرأف أمتي بأمتي أبو بكر.
فالفضل راجع إلى مراتب النيات.
يقول الفقير : وجه التخصيص في الأول أن اختلاف الليل والنهار المذكور في آية التفكر يدور على السنة، فبمقدار بُعد التفكر جاء الثواب.
وفي الثاني : أن خوف الموت، وما بعده ينتهي إلى الجنة، أو إلى النار والجنة فوق سبع سماوات كما أن النار تحت سبع أرضين.
وفي الثالث : أن بعد قعر جهنم سبعون سنة على ما ورد في الحديث، فلما كان الصديق رضي الله عنه بعيد التفكر بالنسبة إلى الأولين أنيب بما ذكر وجاء أجره مناسباً لتفكره.
وفي الآية إشارة إلى أن السماوات والأرض، وما فيهن خلقت للإنسان، فإن وجودها تبع لوجوده.
وناهيك من هذا المعنى أن الله تعالى أسجد ملائكته لآدم عليه السلام.
وهذا غاية التسخير وهم أكرم مما في السماوات والأرض، ومثال هذا أن الله تعالى لما أراد أن يخلق ثمرة خلق شجرة، وسخرها للثمرة لتحملها، فالعالم بما فيه شجرة وثمرتها الإنسان ولعظم هذا المعنى.
قال :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ؛ أي : في هذا المعنى دلالات على شرف الإنسان وكماليته لقوم لهم قلوب منورة بنور الإيمان والعرفان إذ يتفكرون بتفكر سليم، كما في "التأويلات النجمية".
﴿رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَآاـاِدُونَ﴾.
﴿قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ : اغفروا يعني :(در كذرانيد وعفو كنيد).
وهو مقول القول حذف لدلالة الجواب عليه، وهو قوله :﴿يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ (الجاثية :)، كما في قوله تعالى :﴿قُل لِّعِبَادِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَـاوةَ﴾ (إبراهيم : ٣١) ؛ أي : قل لهم أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
قال صاحب "الكشاف" : وجوزوا أن يكون يقيموا بمعنى ليقيموا، ويكون هذا هو المقول، قالوا : وإنما جاز حذف اللام ؛ لأن الأمر الذي هو : قل عوض عنه، ولو قيل : يقيموا ابتداء بحذف اللام لم يجز وحقيقة الرجاء تكون في المحبوب، فهو هنا محمول على المجاز، وهو التوقع والخوف.
والمعنى : يعفوا ويصفحوا عن الذين لا يتوقعون، ولا يخافون وقائعه تعالى بأعدائه في الأمم الماضية لقولهم أيام العرب لوقائعها كيوم بعاث، وهو كغراب ويثلث موضع بقرب المدينة ويومه معروف، كما في "القاموس".
وقيل : لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لثواب المؤمنين، ووعدهم الفوز فيها وإضافتها إلى الله كبيت الله.
وهذه الآية نزلت قبل آية القتال، ثم نسخت بها، وذلك لأن السورة مكية بالاتفاق إلا أن الماوردي استثنى هذه الآية.
وقال : إنها مدنية، نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعزاه إلى ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة، وذلك أن عمر رضي الله عنه شتمه غفاري فهمَّ أن يبطش به، فنزلت في حقه.
قال في "القاموس" : وبنو غفار ككتاب رهط أبي ذر الغفاري.
وقيل : نزلت حين قال رئيس المنافقين عبد الله بن أبيّ ما قال.
وذلك أنهم نزلوا في غزوة بني المصطلق على بئر يقال لها : مريسيع مصغر مرسوع، فأرسل ابن أبي غلامه يستقي فأبطأ عليه، فلما أتاه، قال له : ما حبسك، قال : غلام عمر قعد على طرف البئر، فما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قرب النبي عليه السلام.
وقرب أبي بكر وعمر، فقال : ابن أبيّ ما مثلنا ومثل
٤٤١