جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
ففي هذه الحكاية فوائد فتفطن لها.
واعلم أنك لا تصل إلى مثل هذه المرتبة إلا بالإيمان الكامل والعلم النافع والعمل الصالح، فمن فقد شيئاً منها حرم نعوذ بالله.
قال الشيخ سعدي :
يى نيك مردان ببايد شتافت
كه هركس كرفت اين سعادت بيافت
ولكن تودنبال ديو خسى
ندانم بى صالحا كى رسى
بيمبر كسى راشفاعت كرست
كه برجاده شرع بيغمبر ست
﴿إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَآاـاِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَىَّ عِبَادَ اللَّه إِنِّى﴾.
﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِى إسرائيل الْكِتَـابَ﴾ ؛ أي : التوراة.
قال سعدي المفتي : ولعل الأولى أن يحمل الكتاب على الجنس حتى يشمل الزبور والإنجيل أيضاً.
انتهى.
وذلك لأن موسى وداود وعيسى عليهم السلام كانوا في بني إسرائيل.
﴿وَالْحُكْمَ﴾ ؛ أي : الحكمة النظرية والعملية والفقه في الدين أو فصل الخصومات بين الناس إذ كان الملك فيهم.
﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ حيث كثر فيهم الأنبياء ما لم تكثر في غيرهم، فإن إبراهيم عليه السلام كان شجرة الأنبياء عليهم.
﴿وَرَزَقْنَـاهُم مِّنَ الطَّيِّبَـاتِ﴾ من اللذائذ كالمن والسلوى.
﴿وَفَضَّلْنَـاهُمْ عَلَى الْعَـالَمِينَ﴾ حيث آتيناهم ما لم نؤت من عداهم من فلق البحر وتظليل الغمام ونظائرهما، ولا يلزم منه تفضي لهم على غيرهم بحسب الدين والثواب، أو على عالمي زمانهم، فإنه لم يكن أحد من العالمين في زمانهم أكرم على الله، ولا أحب إليه منهم.
وقد سبق تحقيق المقام في السورة السابقة.
﴿وَءَاتَيْنَـاهُم بَيِّنَـاتٍ مِّنَ الامْرِ﴾ دلائل ظاهرة في أمر الدين ومعجزات قاهرة فمن بمعنى في كما في قوله تعالى : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَواةِ} ().
وقال ابن عباس رضي الله عنهما هو العلم بمبعث النبي عليه السلام، وما بين لهم من أمره، وأنه يهاجر من تهامة إلى يثرب ويكون أنصار أهل يثرب.
﴿فَمَا اخْتَلَفُوا﴾، فما وقع بينهم الخلاف في ذلك الأمر.
﴿إِلا مِنا بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ بحقيقته وحقيته، فجعلوا ما يوجب زوال الخلاف موجباً لرسوخه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
﴿بَغْيَا بَيْنَهُمْ﴾ تعليل ؛ أي : عداوة وحسداً حدث بينهم لا شكاً فيه.
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ﴾ بالمؤاخذة والجزاء.
﴿فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ من أمر الدين.
﴿ثُمَّ جَعَلْنَـاكَ﴾ :(بس بعد از بني
٤٤٣
إسرائيل ساختيم ترا يعنى مقرر كرديم سلوك تو).
﴿عَلَى شَرِيعَةٍ﴾ ؛ أي : سنة وطريقة عظيمة الشأن.
﴿مِنَ الامْرِ﴾ ؛ أي : أمر الدين.
﴿فَاتَّبِعْهَا﴾ بإجراء أحكامها في نفسك، وفي غيرك من غير إخلال بشيء منها.
وفي "التأويلات النجمية" : إنا أفردناك من جملة الأنبياء بلطائف، فاعرفها وخصصناك بحقائق، فأدركها وسننا لك طرائق، فاسلكها وأثبتنا لك الشرائع فاتبعها، ولا تتجاوز عنها، ولا تحتج إلى متابعة غيرك، ولو كان موسى وعيسى حياً لما وسعهما إلا اتباعك.
قال جعفر الصادق رضي الله عنه : الشريعة في الأمور محافظة الحدود فيها، ومن الله الإعانة.
﴿وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ ؛ أي : آراء الجهلة واعتقاداتهم الزائغة التابعة للشهوات، وهم رؤساء قريش كانوا يقولون له عليه السلام : ارجع إلى دين آبائك، فإنهم كانوا أفضل منك.
﴿أَنْ أَدُّوا إِلَىَّ عِبَادَ اللَّه إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَن لا تَعْلُوا عَلَى اللَّه إِنِّى ءَاتِيكُم بِسُلْطَـانٍ مُّبِينٍ * وَإِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ﴾.
﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا﴾ لن يدفعوا ﴿عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْـاًا﴾ مما أراد بك من العذاب إن اتبعتهم.
قال بعضهم : يعني : إن أراد الله بك نعمة، فلا يقدر أحد على منعها، وإن أراد بك فتنة، فلا يقدر أحد أن يصرفها عنك، فلا تعلق بمخلوق فكرك، ولا تتوجه بضميرك إلى غيرنا، وثق بنا وتوكل علينا.
﴿وَإِنَّ الظَّـالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ لا يواليهم ولا يتبع أهواءهم إلا من كان ظالماً مثلهم ؛ لأن الجنسية علة الانضمام.
﴿وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُتَّقِينَ﴾ الذين أنت قدوتهم فدم على ما أنت عليه من تولية خاصة بالتقوى والشريعة، والإعراض عما سواه بالكلية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
وفي "التأويلات النجمية" : سماهم الظالمين لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه وسمى المؤمنين المتقين ؛ لأنهم اتقوا عن هذا المعنى، واتخذوا الله الولي في الأمور كلها.


الصفحة التالية
Icon