﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ ؛ أي : على منكري البعث.
﴿ءَايَـاتِنَا﴾ الناطقة بالحق الذي من جملته البعث.
﴿بَيِّنَـاتٍ﴾ واضحات الدلالة على ما نطقت أو مبينات له نحو قوله تعالى :﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (يس : ٧٩).
وقوله :﴿إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَىا﴾ (فصلت : ٣٩) وغير ذلك.
﴿مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ﴾ جواب إذا.
وبه استدل أبو حيان على أن العامل في إذا ليس جوابها ؛ لأن ما النافية لها صدر الكلام واعتذر عن عدم دخول الفاء في الجواب بأنها خالفت أدوات الشرط في ذلك وحجتهم بالنصب على أنه خبر كان، أي ما كان متمسكاتهم بشيء من الأشياء يعارضونها به.
وبالفارسية :(نباشد حجت ايشان).
﴿إِلا أَن قَالُوا﴾ عناداً واقتراحاً ﴿وَإِذَا تُتْلَى﴾ :(بياريد بدران ما).
يعني : أحيوهم وابعثوهم من قبورهم.
﴿إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ في أنا نبعث بعد الموت.
وقد سبق في سورة الدخان ؛ أي : إلى هذا القول الباطل الذي يستحيل أن يكون من قبيل الحجة ؛ لأنها إنما تطلق على الدليل القطعي وتسميته حجة إما لسوقهم إياه مساق الحجة على سبيل التهكم بهم، أو لتنزيل التقابل منزلة التناسب للمبالغة، فأطلق اسم الحجة على ما ليس بحجة من قبيل (تحية بينهم ضرب وجيع) ؛ أي : سماه حجة لبيان أنهم لا حجة لهم البتة ؛ لأن من كانت حجته هذا لا يكون له حجة البتة، كما أن من ابتدأ بالضرب الوجيع في أول التلاقي لا يكون بينهم تحية البتة، ولا تقصد بهذا الأسلوب إلا هذا المعنى ؛ كأنه قيل : ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة.
﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ﴾ ابتداء ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ عند انقضاء آجالكم لا كما تزعمون من أنكم تحيون وتموتون بحكم الدهر.
﴿ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ﴾ بعد البعث منتهين ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ﴾ للجزاء.
﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ ؛ أي : في جمعكم، فإن من قدر على البدء قدر على الإعادة والحكمة اقتضت الجمع للجزاء لا محالة والوعد المصدق بالمعجزات دل على وقوعها حتماً، والإتيان بآبائهم حيث كان مزاحماً للحكمة التشريعية امتنع إيقاعه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
قال الكاشفي :(إحياء موتى موقتست بوقتى خاص بروجهى كه مقتضاى حكمت است بس اكر وقت اقتراح وجود نكيرد حمل بر عجز نبا يد كرد).
وقد سبق منا تعليله بغير هذا الوجه في سورة الدخان فارجع.
﴿وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك استدراك من قوله تعالى : لا ريب فيه بأن فيه شائبة ريب ما.
وفيه إشارة إلى أن الله يحييكم بالحياة الإنسانية، ثم يميتكم
٤٥١
عن صفة الإنسانية الحيوانية ثم يجمعكم بالحياة الربانية إلى يوم القيامة، وهي النشأة الأخرى لا ريب في هذا عند أهل النظر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون لأنهم أهل النسيان والغفلة :()
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله
وأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرأ لم يحيا بالعلم ميت
وليس له حين النشور نشور
وفي الحديث :"أنتم على بينة من ربكم ما لم تظهر منكم سكرتان سكرة الجهل وسكرة حب الدنيا"، فعلى العاقل أن يتنبه، ويكون على يقين من ربه ويصدق الكتاب فيما نطق به، ولصعوبة الإيمان بالغيب وقع أكثر الناس في ورطة التكذيب ولانغلاق أبواب البرزخ والمعاد كثر الرد والإنكار.