جعلنا الله وإياكم من المسارعين إلى أسباب رضاه والمسابقين إلى قبول أمره وهداه.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ من الأمم ؛ لأنه تفصيل لما قبله :﴿فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ﴾ ؛ أي : في جنته ؛ لأن الدخول حقيقة في الجنة دون غيرها من أقسام الرحمة، فهو تسمية الشيء باسم حاله يعني : لما كانت الجنة محل الرحمة أطلق عليها الرحمة بطريق المجاز المرسل.
﴿ذَالِكَ﴾ الذي ذكر من الإدخال في رحمته تعالى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
﴿هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ : الظاهر كونه فوزاً إلا فوز وراءه.
يقول الفقير : وما الفوز العظيم؟ فهو دخول جنة القلب ولقاؤه تعالى في الدنيا والآخرة، ولكن لما كان هذا الفوز غير ظاهر بالنسبة إلى العامة، وكان الظاهر عندهم الفوز بالجنة قيل : هو الفوز المبين، وإن اشتمل الفوز المبين على الفوزالعظيم ؛ لأن الجنة محل أنواع الرحمة.
﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِى إسرائيل مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِن فِرْعَوْنَا إِنَّه كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ اخْتَرْنَـاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَـالَمِينَ﴾.
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَـاتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ ؛ أي : فيقال لهم بطريق التوبيخ والتقريع ألم تكن تأتيكم رسلي؟ أفلم تكن آياتي تتلى عليكم، فحذف المعطوف عليه ثقة بدلالة القرينة عليه.
﴿فَاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ عن الإيمان به.
﴿وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ ؛ أي : قوماً عادتهم الإجرام.
قال الشيخ السمرقندي في "بحر العلوم"، فإن قلت : أهذه الآية تشمل الذي في أقاصي الروم والترك والهند من الذين لم تبلغهم الدعوة، ولم يتل عليهم شيء من آيات الله؟ وهم أكثر عدداً من رمال الدهناء.
وما قولك فيهم؟ قلت : لا بل الظاهر عندي بحكم الآية أن هؤلاء معذورون مغفورون شملتهم رحمة الله الواسعة، بل أقول : تشمل كل من مات في الفترة، وكل أحمق وهرم وكل أصم أبكم.
قال أبو هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"أربعة كلهم نزل على الله بحجة وعذر : رجل مات في الفترة، ورجل أدرك الإسلام هرماً، ورجل أصم أبكم معتوه، ورجل أحمق".
فاستوسع أيها السائل رحمة الله، فإن صاحب الشرع هو الذي استوسع رحمة الله تعالى قبلنا، ولم يضيق على عباده ولا تشغل بالتكفير والتضليل لسانك وقلبك كطائفة بضاعتهم مجرد الفقه يخوضون في تكفير الناس وتضليلهم، وطائفة من المتكلمين كفروا عوام المسلمين، وزعموا وقد كذبوا وفي غمرتهم عمهوا أن من لم يعرف العقائد الشرعية بأدلتنا المحررة في كتبنا، فهو كافر، فأولئك عليهم العويل والنياحة أيام حياتهم ومماتهم حيث ضيقوا رحمة الله الواسعة على عباده، وجعلوا الجنة حصراً ووقفاً على طائفة الفقهاء وشرذمة المتكلمين، وكفروا وضللوا الذين هم براء من الكفر والضلالة، وقد ذهلوا أو جهلوا بقول النبي عليه السلام أمتي كلها في الجنة إلا الزنادقة".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٤
وقد روي أيضاً :"الهالك منها واحدة"، ويقول عبد الله بن مسعود وأبو هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد بعد ما يلبثون فيها أحقاباً، وبما قال أنس رضي الله عنه، قال النبي عليه السلام :"إذا كان يوم القيامة يغفر الله لأهل الأهواء أهواءهم وحوسب الناس بأعمالهم إلا الزنادقة، انتهى كلام السمرقندي في "تفسيره".
والزنديق هو من يقول ببقاء الدهر ؛ أي : لا يؤمن بالآخرة، ولا الخالق ؛ أي : لا يعتقد إلهاً ولا بعثاً ولا حرمة شيء من الأشياء ويعتقد أن الأموال والحرم مشتركة.
وفي قبول توبته روايتان، والذي ترجح عدم
٤٥٥