وفيه إشارة إلى أن الإعراض عما أنذروا به كفر.
قال الفقهاء : إذا وصف الله أحد بما لا يليق به كالإمكان والحدوث والجسمية والجهات والظلم والنوم والنسيان والتأذي ونحو ذلك، أو استهزأ باسم من أسمائه أو أمر من أوامره أو أنكر شيئاً من وعده ووعيده وما ثبت بدليل قطعي يكفر ولو زنى رجل، أو عمل عمل قوم لوط، فقال له الآخر : مكن، فقال :(كنم ونيك أرم).
فهذا كفر، ولو قيل لرجل : لا تعص الله، فإن الله يدخلك النار، فقال :(من از دوزخ نه انديشم يكفر).
ولو قيل الرجل :(بسيار مخور وبسيار مخب أو بسيار مخد)، فقال :(جندان خورم وخسم وخندم خود خواهم يكفر).
لكون كل من الأكل والنوم والضحك الكثير منهياً عنه مميتاً
٤٦٢
للقلب فرد القول فيه رد للنص حقيقة.
وفي آخر "فتاوى الظهيرية" : سئل الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل، عمن يقول : أنا لا أخاف النار، ولا أرجو الجنة، وإنما أخاف الله وأرجوه، فقال قوله : لا أخاف النار، ولا أرجو الجنة غلط، فإن الله تعالى خوف عباده بالنار بقوله تعالى :﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَـافِرِينَ﴾ (آل عمران : ١٣١)، ومن قيل له : خف مما خوفك الله، فقال : لا أخاف رداً لذلك كفر، انتهى.
يقول الفقير : صرح العلماء بأن الإيمان من أجل خوف النار ورجاء الجنة لا يصح ؛ لأنه إيمان غير خالص، فلو كان مراده من نفي الخوف والرجاء، أن إيماني ليس بمبني عليهما لم يكفر، بل أصاب حقيقة الإيمان على أن المراد من اتقاء النار في الحقيقة اتقاء الله تعالى، فإن الله هو الذي يدخله النار بمقتضى وعيده على تقدير عصيانه، فيؤول المعنى في الآية إلى قولنا : فاتقوا الله ولا تعصوه حتى لا يدخلكم النار، نعم رد ظاهر النص كفر إذا لم يقدر على الخروج عن عهدته بتأويل مطابق للشرع، ومن أكبر الذنوب أن يقول الرجل لأخيه : اتق الله، فيقول في جوابه : عليك نفسك ؛ أي : الزم نفسك وأنت تأمرني بهذا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
روي : أن يهودياً قال لهارون الرشيد في سيره مع عسكره : اتق الله، فلما سمع هارون قول اليهودي نزل من فرسه، وكذا العسكر نزلوا تعظيماً لاسم الله العظيم، وجاء في كتب الأصول إذا حلف على مس السماء انعقد اليمين لتوهم البر ؛ لأن السماء ممسوسة، كما قال تعالى حكاية عن الجن، ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ﴾ (الجن : ٨)، ثم يحنث ويلزمه موجب الحنث، وهو الكفارة، فيكون آثماً ؛ لأن المقصود باليمين تعظيم المقسم به، وها هنا هتك حرمة الاسم.
انتهى.
فعلى العاقل أن يقبل قول الناصح ويخاف من الله ويعظم اسمه حتى يكون مظهر صفات لطفه ويعرف أنه تعالى لطيف، فإذا كفر وأعرض يكون مظهر صفات قهره، فيعرف أن الله تعالى قهار نسأل الله عفوه وعطاه ولطفه الواسع ورضاه.
﴿إِنَّ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ لايَـاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَفِى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَـاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَـافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَـاحِ ءَايَـاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ ءَايَـاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾.
﴿قُلْ﴾ للكافرين توبيخاً وتبكيتاً.
﴿أَرَءَيْتُمْ﴾ : أخبروني.
وبالفارسية :(خبر ميد هيد مرا) ﴿مَا تَدَّعُونَ﴾ ؛ أي : ما تعبدون ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ من الأصنام والكواكب وغيرها.
﴿أَرُونِىَ﴾ :(بنما بيد بمن).
وهو تأكيد لأرأيتم.
﴿مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ﴾ ؛ أي : كانوا آلهة وهو بيان الإبهام في ماذا ؛ أي : أي جزء من أجزاء الأرض تفردوا بخلقه دون الله، فالمفعول الأول لأرأيتم قوله : ما تدعون.
والثاني : ماذا خلقوا ومآله أخبروني عن حال آلهتكم.
﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ﴾ ؛ أي : شركة مع الله تعالى.
﴿فِى السَّمَـاوَاتِ﴾ ؛ أي : في خلقها أو ملكها وتدبيرها حتى يتوهم أن يكون لهم شائبة استحقاق للعبودية، فإن ما لا مدخل له في وجود شيء من الأشياء بوجه من الوجوه، فهو بمعزل من ذلك الاستحقاق بالكلية، وإن كانوا من الأحياء العقلاء، فما ظنكم بالجماد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦١
وجون ظاهر ست كه معبودان شما عاجزاند وايشان را درزمين وآسمان تصرفى نيست بس جرا دربرستش بامن شريك مى سازيد).
فإن قلت : فما تقول في عيسى عليه السلام، فإنه كان يحيي الموتى ويخلق الطير، ويفعل ما لا يقدر عليه غيره.
قلت : هو بأقدار الله تعالى وإذنه.
وذلك لا ينافي عجزه في نفسه وذكر الشرك في الجهات العلوية دون السفلية ؛ أي : دون أن يعم بالأرض أيضاً ؛ لأن الآثار العلوية أظهر دلالة على اختصاص الله تعالى بخلقها لعلوها وكونها مرفوعة بلا عمد وأوتاد، أو للاحتراز عما يتوهم أن للوسائط شركة في إيجاد الحوادث السفلية، يعني : لو قال أم لهم شرك في الأرض لتوهم أن للسماوات دخلاً وشركة في إيجاد الحوادث السفلية هذا على
٤٦٣
تقدير أن تكون أم منقطعة.